بقلم - أمينة خيري
فى العيد تكون الفرصة سانحة لمراجعة ما فات، والنظر إلى ما هو آت، حيث مراجعة اختياراتنا فإما الإبقاء عليها أو تعديل دفتها. وحيث إن المسلسل الدرامى الواقعى الوثائقى التوثيقى «الاختيار 3» كان من أبرز ما تضمنته وليمة رمضان الدرامية، فإن المراجعة تستوجب أن نذكر أنفسنا بأننا اخترنا فى عام 2013 أن تكون مصر مدنية.
وعلى مدار 30 يوماً بـ30 حلقة ونحن نتذكر ما لا ينبغى أن ننساه أبداً. ونحمد الله كثيراً على أننا عشنا هذه الأحداث الجسام، فلا المسلسل تاريخى فيمكن التشكيك فى كاتب التاريخ، ولا هو درامى بحت حيث يختلط الخيال بالواقع. لذلك، فإن كل كبيرة وصغيرة فى المسلسل تذكرنا بأن المسيرة التى بدأت فى عام 2013 لم تنته. ما جرى فى 2013 كان إشهار رغبة القاعدة العريضة من المصريين فى العودة إلى مدنية الدولة وأسس المواطنة، حيث الحقوق والمسؤوليات والالتزامات لأبناء الوطن الواحد متطابقة، بغض النظر عن الدين أو النوع.
ولأن مدنية الدولة تبخرت رويداً على مدار ما يزيد على خمسة عقود، حيث السماح بتغلغل جماعات الإسلام السياسى لعقل ووجدان وحياة المصريين فى شتى ربوع مصر، سواء كان ذلك عن طريق مستوصف خيرى أو خطيب على منبر أو مساعدة لمحتاج، فإن استعادة مدنية مصر فى حاجة إلى جهد جهيد ووعى عميق، ويسبقهما اعتراف شعبى بأن جانباً كبيراً من حياتنا صار مزيجاً من تفاصيل الدولة المدنية مضافاً إليها قواعد الدولة الدينية.
ودون الاعتراف، لن يستوى التطهير وتعديل المسار. فى الدولة المدنية الخالصة، لا يتم فرز المواطنين طائفياً، أو يتعرض بعضهم لاعتداءات لفظية أو جسدية بالصفع مثلاً، ثم يتم إخضاع الطرف المعتدى عليه لصلح عرفى لإبقاء القانون بعيداً، ولا يتم تديين السيارات ووسائل النقل العام والمصالح الحكومية ومحطات المترو وبوابات تحصيل الرسوم وغيرها بملصقات وميكروفونات.
وتتسم الدولة المدنية بـ«عدم التسامح مطلقاً» أو Zero tolerance تجاه كل فعل أو قول يحمل طابع ترهيب دينى أو توبيخ أخلاقى مبنيا على معتقدات دينية تختلف من شخص لآخر دون معاقبة الفاعل. مسلسل «الاختيار 3» يذكرنا أن الطريق أمامنا مازال طويلاً. ويذكرنا أن لدينا على الساحة كيانات سياسية تحظى بوجود شرعى معترف به لا تختلف كثيراً عما ثرنا عليه ونبذناه فى عام 2013.
وبجملة المراجعات التى توقظها أجواء انتهاء رمضان واحتفالات العيد، نذكر أنفسنا بأن الإخوان- ولو تم إسقاط جماعتهم من الحكم- لكن قاعدتهم الشعبية لم تسقط حتى وإن كانت تلتزم الصمت. وبينما نحن نتذكر ونراجع ونختار، ننظر فى المرآة ونقول لأنفسنا إن الدولة المدنية لا تعنى الكفر ولا تعنى إلغاء الدين، بل تعنى أن القانون حاكم، والمواطنة متسيدة، وأن الدين لله والدولة المدنية للجميع.