بقلم - أمينة خيري
نحن مقبلون على أيام مفترجة. أيام قليلة ويحل شهر رمضان المعظم أعاده الله على البشرية جمعاء بقدر أوفر من من السلام والأمان والمودة والقبول وسعة الصدر والوفاق، والنأى بالنفس عن شرور الشعور بالفوقية، ومزيد من التواضع والتسامح والمعرفة اليقينية بأن المحاسب هو الله، والحاكم على الناس هو الله، والمصنف لهم هو الله، وذلك بحسب أعمالهم ومدى الفائدة التى تركوها فى الدنيا لرفعة البشرية وتعليمها وعلاجها وليس بمقدار الحنجورية. وبينما نحن مقبلون على هذه الأيام المفترجة نجد العالم من حولنا- ونحن معه إلى حد كبير- غارقا فى حيص بيص بفعل حرب تبدو أنها بين بلدين، ولكنها فى واقع الأمر بين القائمين على أمر الكرة الأرضية وبعضهم البعض.
وبما إن رمضان بأجوائه الروحانية يدفعنا إلى قدر أوفر من التفكر والتدبر والتأمل، وهى رياضات روحانية راقية سامية من شأنها أن تساهم فى سمو الإنسان ورفعته، ربما حرى بنا أن نتفكر فى أحوالنا وما من شأنه أن يرتقى بنا وما هو قادر على أن يخسف بنا سابع أرض. ربما تكون أحوال الكوكب فرصة لنا لنفكر فى مكانتنا وموقعنا، وما نطمح أن نصل إليه من أجل أنفسنا ومن يأتون بعدنا، وهى المكانة التى لا يحققها الدعاء وحده أو الصلاة وحدها. بل تتحقق بمحاسبة صادقة لأنفسنا، تعقبها خطوات فعلية للمضى قدماً نحو تحقيق أهدافنا، ثم يتكلل ذلك بالدعاء والصلاة ليبارك الله سبحانه وتعالى خطواتنا ويساعدنا على تذليل الصعوبات أمامنا.
وكم أتمنى أن ينأى علماؤنا الأفاضل من رجال الدين بأنفسهم وبالدين عن تفسير مجريات حرب روسيا فى أوكرانيا، وموقف أمريكا والـ«ناتو» ودول غرب أوروبا، فى مقابل ردود فعل دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
كما أدعو الله سبحانه وتعالى ألا يتم خلط الدولار بالجنيه بالفتاوى بجشع التجار بغلاء الأسعار. فلندع ما للاقتصاد لأهله، وما للتموين لوزارته، وما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وليكن شهر رمضان هذا العام هو شهر الفصل بين الإصرار على إقحام الدين فى سبل مواجهة الفقر بالدعاء والصبر وبين دور المواطن والحكومة والجمعيات الأهلية فى درء العوز، عبر إعمال العقل وتطوير التعليم وتطبيق القوانين ودعم الصناعة وتشجيع رجال الأعمال وروادها والمشروعات «الإنتاجية» بأنواعها. وليكن رمضان هذا العام شهر سعة الصدر ورجاحة العقل وانفتاح الروح على آخرين يقطنون معنا فى هذا العالم، ومناسبة لتعديل مسار خطابنا الدينى ليصبح أكثر قبولاً للآخرين بمن فيهم المسلمون الذين قرروا أن يكون تدينهم بأشكال مختلفة غير تلك المعلنة فى «دليل المتدين» الواحد الأوحد، لا سيما أن الله وحده لا شريك له هو الحاكم فى نهاية الأمر. ربما يكون رمضان هذا العام فاتحة خير لنخلع رداء النفاق الفكرى والازدواجية الأخلاقية التى أعيتنا منذ سبعينيات القرن الماضى، فلو كان فيها الخير لما رماها الطير. رمضان كريم.