بقلم : أمينة خيري
في مناسبة التخاريف الرمضانية التي تصيب البعض نظرًا لنقص الكافيين أو للأسف النيكوتين أو غيرهما، أصابتنى تخاريف لكنها من نوع فريد. لم أرَ وليمة عامرة فيها ما لذَّ وطاب من صنوف الطعام والشراب. بل لم أشم رائحة فنجان النسكافيه المُطعَّم بحليب مع قليل من نكهة الحبهان. بل رأيت منظومة ضريبية مشروحة بالحجة والبرهان، وعادلة بالحق والمستحق، ومقنعة لكل ذى عقل ومنطق.
المنطق في تحصيل الضرائب من المواطنين هو تمويل الخدمات والبنى التحتية وتحقيق قدر من الرفاه في حياتهم. يُفترض أنها توفر جانبًا رئيسيًا من تمويل التعليم والصحة والطرق والمواصلات العامة. ويُتوقع أن تكون مصدرًا من مصادر تمويل إعانات الفقر والبطالة وغيرهما، أو إصابة بعض المواطنين بمصائب وكوارث حالت بينهم وبين توفير حياة كريمة لأنفسهم وأسرهم. ويُفترض أن تكون الأخيرة حالات استثنائية وليست القاعدة. بمعنى أن المهمة الرئيسية لأموال الضرائب ليست تمويل عمليات توارث الفقر وتناقله بين الأسر وبعضها عبر كثرة العيال، ولكنها دعم للبعض ممن فقد القدرة على دعم عياله بنفسه عن طريق العمل.
ورأيت فيما يرى النائم منظومة ضريبية عادلة، ووجدت أن العدل أحيانًا يشمل بعطفه وحنانه الطبقة المتوسطة ولم يعد حكرًا على الطبقات الرابضة عند قاعدة الهرم الاقتصادى. وسمعت بأذنى ورأيت بعينى كيف تم استيعاب وقبول وتفهم شكوى أبناء الطبقة المتوسطة من تبديد أموال الضرائب التي يسددونها لتنفق على مَن قرروا أن ينجبوا دستة أو نصف دستة من العيال. وتابعت في غفوتى الرمضانية كيف أن قرارات وإجراءات تم اتخاذها من شأنها أن ترتقى بالمواطن إلى درجة مواطن كامل الأهلية، مسؤول عن تصرفاته، ومجبر على تحمل تبعاتها سلبًا وإيجابًا، فالأخ الذي أذعن لشهوة اقتناء عشرة عيال ليُسرِّحهم في الشوارع ليحققوا له دخولاً إضافية بات مسؤولًا عن شهوته. والشيخ الذي أفتى علنًا بأن تنظيم الأسرة حلال، ثم نوّه سرًا بأنه حرام حرام، توقف عن فصامه. بل الأدهى من ذلك أننى رأيت رأى العين انتقال ملف تنظيم الأسرة وسباق الأرانب المحموم من كنف الدولة الدينية إلى مظلة الدولة المدنية.
مدنية الدولة التي رأيتها ضمن تخاريفى الرمضانية والاتجاه نحو مد يد العون لتعليم وتثقيف وتنوير الناس وليس إطعامهم فقط. ورأيت كذلك فصلًا بين الفتاوى الدينية وتفاصيل الحياة اليومية، فلا فتوى عن حكم استخدام شطاف الماء في أثناء الصيام، أو موقف إنجاب العيال دون ضابط أو رابط. هؤلاء لم يكن لهم وجود في الدعم الحكومى، فلا رجل الدين الذي يشجع على إنجاب العيال وإفقار البلاد يستحق دعمًا حكوميًا يتم اقتصاصه من راتبى، ولا مَن أنجب بلا حساب يستحق هذا الدعم.
أنا أستحق أن أرى ضرائبى مُفعَّلة في طرق ومواصلات وعلاج وتعليم وتطبيق قانون مدنى في بلدى. لكنها تظل تخاريف ضريبية في نهار رمضان.