توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محبطون «كومبليتلى»

  مصر اليوم -

محبطون «كومبليتلى»

بقلم - أمينة خيري

لو سئلت عن أبرز ما بات يميز المصريين هذه الآونة لقلت الإحباط. الغالبية المطلقة يعتريها شعور عارم بالإحباط وفقدان الأمل. صحيح أن فئات المجتمع المختلفة تعبر بطرق متفاوتة ومتراوحة -وأحياناً متناحرة- عن هذا الإحباط، لكن فى نهاية المطاف تظل هناك سحابة إحباط كثيفة ثقيلة سخيفة تهيمن على الغلاف الجوى المصرى.

الغلاف الجوى المصرى يعانى هبابة كبيرة ويرزح تحت غمامة عميقة. ولعل جانباً مما سبق يندرج ضمن باب تخبطات ما بعد الثورات ولخبطات تأتى فى أعقاب التغيرات، ونحن مررنا بالكثير منها وتجرعنا كميات هائلة بعضها ذاتى المنشأ، والبعض الآخر وارد الخارج. لكن علينا أن نعترف كذلك أن الأوضاع المعيشية ومعها توليفة من الإجراءات -أو بالأحرى نقص الإجراءات- الرسمية مع قليل من الاختيارات العجيبة الغريبة أججت من حالة الإحباط العام التى نعيشها على مدار الساعة.

الساعة السابعة صباحاً وأعلى كوبرى 6 أكتوبر، حيث يفترض أن يكون الناس ما زالوا فى مرحلة انتعاش الصباح، تجد كماً مزرياً من العنف المتبادل بين كثيرين، بعضه استباقى حيث يحك هذا فى سيارة ذاك كنوع من التنفيس عن غضب كامن، ويرد ذاك بشتائم وسباب لرد الإهانة واستعادة الكرامة. ولمَ لا والأمور أعلى الكوبرى -كما هو الحال فى الغالبية المطلقة من شوارع المحروسة باستثناءات بسيطة- متروكة ليحل الناس مشاكلهم مع بعضهم البعض دون تدخلات قانونية. فالبقاء للأقوى من حيث العضلات، والانتصار من نصيب من لديه الجسارة ليعتدى على الآخرين ويرهب المحيطين.

وللعلم والإحاطة فإن الإحباط علمياً يحرك ويؤجج التصرفات العدوانية.وللعلم والإحاطة كذلك فإن الأسر ذات المستوى المادى المنخفض يميلون إلى اللجوء إلى العقاب البدنى لبعضهم البعض بشكل أكبر مقارنة بأبناء الفئات الاجتماعية والاقتصادية الأعلى.

أما خصوصية الوضع فى مصر فهى تعرض سقف طموحات المصريين بمختلف مستوياتهم على مدار السنوات السبع الماضية، إلى ارتجاجات وتقلبات واهتزازات عنيفة رفعتهم سابع سماء، ثم أعادت رزعهم سابع أرض دون هوادة.

هذه التقلبات لم تستثن أحداً؛ فمحبو وأتباع الجماعات الإسلامية تصوروا أن مصر ستتحول لدولة دينية يحكمها ملالى الإخوان أو السلفيين، أيهما أقرب. وحين أطيح بالإخوان وتم تدجين السلفيين، هوت الطموحات وارتطمت الآمال (وإن كان السلفيون يعملون بجد وكد على الأرض الآن).

والحالمون بدولة مدنية ترتكز على قواعد الديمقراطية وتعتمد أصول التعددية فوجئوا بأن الغالبية تؤمن بالديمقراطية طالما ترسخ اختياراتهم دون غيرهم وتنتصر لأفكارهم وليس غيرهم.

أما المتمسكون بتلابيب الكنبة، الذين لا يطمحون إلا لعيشة وديعة وراحة ذهنية وأكلة هنية فقد استيقظوا على واقع مرير حيث وضع اقتصادى أفرزته سنوات الارتطامات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، مع عقود من تجريف الشخصية المصرية التى باتت لا تتقن عملاً أو تؤمن بقيمة من القيم التى تدفع أمماً إلى التقدم والتحضر بدءاً بالضمير مروراً بالتنظيم وانتهاء بصوت القانون الذى لا يعلو صوت على صوته.

وبغض النظر عمن أخطأ فى الماضى وما جرى فى المحروسة، نعود إلى الإحباط من وجهة نظر علمية. فالمجتمعات التى تغيب فيها العدالة الاجتماعية، وتتسم بوهن الانتماء للوطن واعتباره حملاً لا عزة وكرامة، ويغيب فيها تطبيق القانون بعدل وصرامة، بدءاً بأصول السير فى الشوارع والميادين مروراً بقواعد العمل فى المصالح والدواوين وانتهاء بالأطر الدستورية التى تحدد علاقة الفرد بأقرانه وعلاقة الجميع بالحكم، هذه المجتمعات يشيع فيها الإحباط وتظهر فيها العدوانية ويبزغ العنف المعنوى واللفظى والجسدى.

الطريف والمؤسف فى آن أننا محظوظون لدرجة تضافر العوامل التى هى من صنع الإنسان لتلك التى تفرضها الطبيعة لتتواءم وتتضافر وتجعل منا «محبطين وعدوانيين كومبليتلى» وليس «لايصين كومبليتلى» كما ذكر الدكتور البرادعى. فقد أكد علماء النفس الاجتماعى أن الحرارة الشديدة والرطوبة الكثيفة والتهوية القليلة والضوضاء الرهيبة تدفع الإنسان دفعاً إلى التصرفات العدوانية.

وإذا كنا عاجزين عن تغيير الأوضاع الجوية وتعديلها، فلنركز على ما يمكن تعديله وتحسينه. وواقع الحال يشير إلى أن الأمر فى حاجة ماسة إلى تعديل الكثير من المسارات الحكومية مع تقويم العديد من التصرفات الشعبية. فمثلاً بدلاً من سلام وطنى يعزف فى المستشفيات، وإصلاحات جذرية تحدث فى شارع الميرغنى، ولجان مرورية فى الأماكن التى يمر بها كبار رجال الدولة ونسائهم يمكن أن نولى صحة البشر اهتماماً، وشوارع الغالبية اعتناءً، ومرور الشعب استفاقة من غيبوبة.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محبطون «كومبليتلى» محبطون «كومبليتلى»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon