بقلم - أمينة خيري
أقلق كما يقلق البعض من تمدد وتوسع وتوغل التيار السلفى فى مصر بشكل ملحوظ فى الفترة الماضية. أنا و«البعض» القلق يرى أنه جارٍ سلفنة المصريين بشكل واضح، وإن كان غير صريح، بائن حتى وإن كان مكتوم الصوت.
الأصوات التى تتصاعد عبر مكبرات أصوات المساجد المتاخمة لبعضها البعض، لا سيما فى المدن الجديدة، متداخلة تداخلاً يجعل تفسير ما يقوله المؤذن أو خطيب الجمعة وأحياناً بث الصلوات الأخرى كاملة عبر المكبرات، شبه مستحيل، ناهيك عن قبح أصوات الكثيرين الذين أشك شكاً كبيراً فى أنهم تابعون لوزارة الأوقاف.
فى محطات المترو زوايا الصلاة فى حرم المحطة تعج بموظفى المترو والضباط وأمناء الشرطة وأفراد الأمن. جميل أن نصلى، لكن أن نترك أماكن العمل «تضرب تقلب» أبعد ما يكون عن الجمال.
سائق التاكسى الشاب انتابته موجة غضب وعصبية شديدة حين وجد سيدة تنتظر أن توقف سيارتها، ما عطله عشر ثوانٍ. وبسؤاله إن كانت العصبية نفسها ستضر به فى حال كان السائق زميلاً له، قال غاضباً: ماشفتيش لابسة إيه؟ دى لابسة بلوزة من غير أكمام!».
الكمامة الموضوعة على فم الكلب الذى اصطحبته شابة محجبة فى أحد شوارع مصر الجديدة شجعت سيدة منتقبة لتقوم بدور الواعظ والمرشد وتقول للفتاة: «عيب على حجابك تجيبى حاجة نجسة كدة نهانا عنها ديننا».
ديننا الذى شوهته وقبحته وأفسدته جماعة الإخوان المسلمين بربطه بالسياسة ووصولهم إلى كرسى الحكم، لم يبادر أحد بعد صيف 2013 إلى نفض الأتربة التى علقت به. والمصيبة أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تركت الساحة فارغة مفتوحة على مصاريعها ما شجع «السلفيين» على التسلل إليها. معدلات انتشار النقاب المتسارعة، تعاطف موظفى البنوك والوزارات والأمن معهن وتيسير مهامهن دون مطالبة موظفات بالتأكد من هويتهن، عودة اللحى المشعثة إلى الظهور بعد نشاط محموم للتخلص منها قبل سنوات وقت اعتقد السلفيون أن مصر المدنية ستعود وأن الهوية المصرية ستستيقظ من غيبوبتها، عودة بعض المساجد إلى سابق عهدها من التحرر من القواعد التى فرضتها وزارة الأوقاف، وغيرها كثير من المظاهر الشكلية.
لكن جوهر المجتمع كذلك جارٍ «النخورة» فيه بخطى ثابتة ومتسارعة فيما يبدو أنه لكسب الوقت. جريدة لندنية نشرت قبل أشهر تحقيقاً عن السلفية فى مصر. وجاء فى التحقيق جمل وتصريحات على ألسنة شخصيات سلفية بارزة أغلبها فى مدينة الإسكندرية تلخص الحال. منها أن قبول مظاهر بعينها فى المجتمع المصرى ليس رضا بالواقع وإنما من باب دفع مفاسد أعظم، وهو ما يشير إلى أنهم فى اللحظة المناسبة سيعملون على تغيير ما لا يعجبهم من أوضاع. أيضاً اعتبار أحدهم الدعوة السعودية للبابا تواضروس لزيارتها بأنه «ربما تكون نتيجة إملاءات خارجية وضغوط دولية»، وكأنه يبرر للمملكة فعلاً شائناً ما كان ينبغى أن يحدث. كذلك التأكيد على أن المجموعات السلفية فى مصر تيار يحمى المجتمع من الانهيار، وهو ما قد يفسر «شرطة الأخلاق» الناشطة حيث توبيخ المفطرين فى رمضان، وسماح مواطنين لأنفسهم بالتدخل فى شئون الآخرين واختياراتهم من تربية الكلاب أو شكل الملابس التى يرتدونها. ومنهم من قال إن السلفية فى مصر أصبحت تياراً مستقلاً لا علاقة له بالسعودية، وذلك فى أعقاب الإجراءات الأخيرة التى اتخذتها السعودية للتخلص من قبضة الرجعية.
ويشار إلى أن السلفيين فى مصر يذرفون الدموع على تحرر السعودية من الظلام وخروجها الثابت نحو النور.
«حزب النور» مثلاً قد يكون عديم الفائدة من وجهة نظر حزبية، لكنه وغيره من الجماعات والمجموعات والأفراد السلفية ناشطة جداً مجتمعياً. وأخشى ما أخشاه أن نكون قد نجونا من مقلاة الإخوان لنجد أنفسنا نستعر فى نيران السلفيين.
وإحقاقاً للحق، فإن كليهما: الإخوان والسلفيين، اجتهدوا واستثمروا وعملوا بكد وجد ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من استلاب الناس والسيطرة عليهم وغسل أدمغتهم تارة بالترغيب عبر المميزات والحوافز من مدارس ومستوصفات وملابس وغيرها، وتارة بالترهيب حيث لعبة الجنة والنار. أما ماذا فعل الآخرون من الليبراليين المتنورين المثقفين الممسكين بجمرة الهوية المصرية وسط ظلام التديين، فيظل فى علم الغيب.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع