بقلم - أمينة خيري
لم يكن هناك ما هو أبشع من حادث القطار «الإجرامى» إلا حراك شبكات التواصل الاجتماعى الجنونى. دورة اطّلاع واحدة على «رؤى» الأصدقاء والمعارف للحادث.
وكلمة «رؤى» المستخدمة أعلاه مستخدمة مع سبق الإصرار لكن دون ترصد، فحين تباغتك تفاصيل دقيقة لكيف وقع الحادث، مصحوبة بما قاله السائق لزميله، وبما رَدَّ الزميل به، وكأن السارد كان يقف حائلاً بينهما، ثم يمضى الصديق «الفايسبوكى» قدماً ليؤكد لمتابعيه أن ما جرى هو حادث إرهابى مما لا يدع مجالاً للشك، تجد نفسك مصدوماً مشدوهاً مفعماً بمشاعر جنونية حين يؤكد لك الصديق التالى فى ترتيب الصفحة أن الحادث وقع لسبب واحد لا ثانى له، ألا وهو إهمال الدولة وفساد المسؤولين، مُعضِّداً رؤاه بأغلظ الأيمانات وأنه يملك وثائق تؤكد ما يقول. ولا تكاد تلتقط أنفاسك حتى تفاجئك زوجة ابن خالك، ربة المنزل، برؤية استراتيجية أمنية هندسية جغرافية مفادها أن الزاوية التى انطلق منها الجرار تختلف عن تلك التى ارتطم فيها برصيف المحطة، وهو ما يعنى أن أيادى خفية تدخلت ليحدث الارتطام ويشتعل الحريق. ولا تكتفى زوجة ابن خالك برؤيتها اللوذعية تلك، إذ تطيحك أرضاً بطرحها احتمالين لا ثانى لهما، ألا وهما: إما أنها الدولة تقتل أبناءها وتشعل فى أجسادهم النيران حتى تلهيهم عما يجرى من مشروعات تنموية كبرى، أو أنهم جماعة الإخوان الإرهابية التى لا تألو جهداً فى إحراق مصر وإلحاق الأذى بها.
والحقيقة أن الأذى الناجم عن هذا الهراء الدائرة رحاه أينما ذهبت على متن الشبكة العنكبوتية لا يمكن تصنيفه أو تبويبه. كما لا يمكن تجاهله أو التغاضى عنه لأن ما يجرى على أثير العنكبوت يدور فى أدمغة ويُثار فى جلسات وتجمعات.
تجمعات البعض من الصحفيين والإعلاميين هى الأخرى باتت مُقلِقة ومُوتِّرة، فالخط البيانى الصاعد فى صحافتنا وإعلامنا، والمعتمد فى المقام الأول، وأحياناً الأخير، على الإشاعات والفبركات والرؤى التى تعمر بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، يعنى أننا نعانى إفلاساً معلوماتياً، أو وهناً فكرياً، أو نقصاً فى التخطيط إلى ما هو أبعد من «الترافيك» الآنى ونسب المشاهدة لليوم، وغداً ربنا يحلها.
حلول مشكلاتنا، التى تُضيِّق الخناق علينا يوماً بعد يوم، لا تكمن فى إطلاق الأحكام والترويج لأفكار وخيالات على اعتبار أنها صادرة عن خبراء فى الاستراتيجيا الكونية. وفارق كبير بين تبادل وجهات النظر، والاستماع إلى الآراء المختلفة، والحلول المتباينة من جهة، وبين شرح تفاصيل حادث، أو سرد حقائق تاريخية، أو إطلاق أحكام على مشروعات كبرى.
وبين الحراك الاجتماعى والشعور الجمعى بأن لدينا مشكلات تتعلق بالإهمال والضمير وقيمة العمل والمصلحة العامة، وبين حراك مواقع التواصل الاجتماعى، الذى يبدأ وينتهى على خيوط العنكبوت، شعرة مصلحة وطن ومصير مائة مليون مواطن، فمِن الحراك ما قتل.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع