بقلم - أمينة خيري
صار الهبد أسلوب حياة، والرزع غاية، واللت سمة، والعجن هدفاً.
وحين تفيض الأجواء الاجتماعية بهذا الشكل المزرى من «الفراغ» فإنه يؤثر سلباً على الجميع، بمن فيهم (أو خصوصاً) أولئك الذين لا ناقة لهم أو جمل فى الهبد وشئونه.
فأولئك يظلون فى خانة المفعول، فلا هم يفعلون ويشاركون فى صناعة الأجواء المسمومة، ولا هم فاعلون أو مشاركون فى هبد «فيس بوك» ورزع «تويتر» واللت فيما يتصورون أنه دين والعجن فيما هيئ لهم أنه أخلاق والتزام، بينما العكس هو الصحيح.
صحيح أن من حق الجميع قواعد أساسية من حرية التعبير، لكن فرقاً كبيراً وهوة عميقة بين حرية التعبير من جهة، والبلطجة الفكرية والعنجهية الثقافية وخلط تدين سبعينات القرن العشرين بهمجية العصور الوسطى فى «فخفخينا» مجتمعية سامة مطلوقة علينا من كل فج عميق.
وكأن عامين من عمر وباء أغلق العالم، وقبلهما عقد كامل من أحداث جسام ورياح عاتية هبت علينا وتصورناها رياحاً صديقة ستأتى بالتطهير وتحمل لنا حلم التغيير، فإذا بها تكشف عن أقبح وجوه التأسلم فى العصور الحديثة والقديمة وما بينهما، ثم تأتى حرب روسيا فى أوكرانيا لتزيد الطين بلة، وكأن كل ما سبق لا يكفى لأن نلتفت لشئون إعادة بناء بلدنا على مياه بيضاء، وليست عكرة أو مسممة أو معاداً تدويرها من مصادر غير نظيفة.
«الفراغ» الذى يدفعنا دفعاً للإغراق فى إضافة طبقة سابعة لطبقات الغلاف الجوى المعروفة، إطارها هبد ورزع يرتديان عباءة الدين وجلبابه، وكيانها لت وعجن يرفعان راية حرية التعبير، بينما هى فى حقيقة الأمر حرية تضييع الوقت وإهدار الجهد فى كل غث ردىء. ولولا إيمانى العميق بأن التشبث بنظرية المؤامرة للتفسير هو ضعف وقلة حيلة، لقلت إن الكون يتآمر علينا بتسليطنا على أنفسنا.
أخبار تكذيب الإشاعات أكثر من الأخبار نفسها. تبرير الذبح والقتل والعك والفوضى والقذارة والقبح والعشوائية أعتى وأقوى من الدعوة إلى التعقل والنظام والنظافة والأخلاق والقواعد، وبالطبع «القوانين»، تلك المنظومة المهدورة المغدورة. ومكونات الغلاف الجوى التى أبدعنا فى تخليقها، ونجاهد من أجل البقاء عليها والبناء فوقها آخذة فى التضخم.
لذلك تأتى فترات الأعياد وإجازاتها لتكون بمثابة طوق النجاة الذى تطمح إليه القلة الناجية من اللت والعجن لعلها تجد فى أجواء العيد، لا سيما الدينية، قدراً مفتقداً من الصفاء. وبهذه المناسبة، وفى هذه الأيام المفترجة المباركة، وبعد توجيه أرق الأمنيات وأجملها بعيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا جميعاً -دون استثناء- بالعقل والذوق والأخلاق، أدعو لراحة إجبارية لجميع الفرق.
بضعة أيام دون هبد، منزوعة الرزع، خالية من إصدار الأحكام التى يهيأ لنا أنها دينية (والدين منها برىء) على خلق الله بالعافية، بضعة أيام من التوقف عن إطلاق الفتاوى فى كل شىء وأى شىء، بضعة أيام من خلع رداء الهسهس الذى تمكن منا حتى صارت الضحية مجرمة لأن ملابسها مناقضة لمعايير أيزو مشايخ السبعينات، وتحول القاتل مسكيناً لأنه ذكر لا حول له أو قوة وليس إلا هرمونات وشهوات مسلوبة الإرادة تسير على اثنين لن تضير. بضعة أيام من التوقف عن إطلاق والمساهمة فى إعادة تدوير الإشاعات، بضعة أيام من التوقف عن «فراغ» إطلاق الأحكام على الجميع، بينما نحن فينا العبر لن تضير، بل ربما تنفع فى إعادة العقول التى ضلت الطريق وخرجت ولم تعد بعد. عيد سعيد وإجازة هادئة.