بقلم - أمينة خيري
حسنة مسلسلات رمضانإذا كانت الميزة الوحيدة فى مسلسلات رمضان أنها فتحت أبواب العقل الموصدة بالضبة والمفتاح وأجبرتها على النزول إلى ملاعب التفكير ولو من باب الهجوم والانتقاد، فهذه ميزة عظيمة. ولو كانت الحسنة الوحيدة لدراما رمضان أنها فتحت أبواب النقاش أمام قضايا مزمنة ومعضلات متيبسة بلغت من التحجر والجمود ما حَوَّلَها إلى عرف وعادات وتقاليد تقهر الناس وتدهس العباد ظلمًا وجورًا وعدوانًا، فهذه حسنة جليلة. وإذا كانت السمة الوحيدة للمسلسلات أنها أخرجت الجميع من مناطق الراحة Comfort zones، التى «خللوا» فيها، فهذه سمة فخيمة.
وإذا كانت المكرمة الوحيدة أنها كشفت عورات العقول الداعشية المعششة فى أدمغة الكثيرين، وكذلك الأفكار التنويرية والليبرالية فى أدمغة آخرين، فهذه مكرمة جميلة.
وإذا كان العائد الوحيد هو كشف حقيقة ما جرى فى المجتمع المصرى من توجهات وميول وانتماءات، لا تعبر عنها أحزاب سياسية أو يعكسها إعلام أو يمثلها نواب، فإن العائد فخيم. ولو كانت الصنيعة الوحيدة التى فعلتها هى إجبار كيانات نمت وتوغلت وهيمنت على أفكار الناس ومصائرهم وقيدت عقولهم وسيطرت على قلوبهم وشلت حركتهم حتى باتوا «عرائس ماريونيت» على الخروج بتصريحات دفاعية أو حتى هجومية، فهذا يعنى أن هذه الكيانات ليست كبيرة على المساءلة أو بعيدة عن المناقشة وكسر الهيمنة. وإذا كانت المسلسلات لم تنجح إلا فى إحداث هزة خفيفة فى عقول القاعدة الجماهيرية العريضة ودفعتها ولو للشك فى أنها ربما «اتضحك» عليها طيلة عقود طويلة مضت وجعلت منها مسخًا تحت شعارات وهمية تتلاعب بالدين حينًا وبالعادات والتقاليد حينًا آخر، فهذا نجاح مبهر. ما سبق أبعد ما يكون عن النقد الفنى أو التقييم الدرامى لوليمة رمضان الدرامية. وهو ليس إشادة غير مشروطة بها أو موافقة ضمنية على كل كبيرة وصغيرة فيها. لكنها نقد لوضع المجتمع ومحتوى النقاشات بين الأصدقاء وعلى منصات التواصل الاجتماعى فى ضوء المسلسلات.
لم يعد تزعجنى كثيرًا كتائب الدفاع التى تهب عن بكرة أبيها للذود عن أفكار متحجرة ومفاهيم أكل عليها الزمان وشرب لمجرد أن مشايخ السبعينيات ودعاة التسعينيات الجدد قرروا أن يحتكروا الدين وتفسيراته، وأن يعتبروا كل ما عدا ذلك رجسًا ينبغى معاداته، وإن لزم الأمر تكفيره وتشويهه. ما يزعجنى هو الإمعان فى إغلاق الغطاء وتثبيته لمنع خروج ما يحتوى عليه القاع من أفكار وسموم، وذلك خوفًا من فتح أبواب البحث والتفكير، وكأنهما سبة فى جبين البشرية. وطالما قررنا أن ننبذ الرجعية والإرهاب باسم الدين فى عام 2013، فعلينا أن نستكمل المشوار حتى النهاية. وطالما قوى أخرى عديدة انشغلت عن مهام التطوير والتطهير بأشياء أخرى أو ربما تفضل بقاء الأوضاع على ما هى عليه، فإن ما قامت به دراما رمضان من رفع الغطاء وخدش السطح عمل رائع يلزم متابعة، وإلا بقينا محلك سر مجددًا.