بقلم - أمينة خيري
لا صوت يعلو الآن على قفزة الأسعار المريعة. يضرب الغلاء بكل شدة وقسوة الجميع. لم يترك طبقة اجتماعية إلا ونال منها، ولم يدع سلعة أو خدمة إلا قلصها وقزمها أو ضاعف فى سعرها بين يوم وليلة. والمتابع لمنصات الإعلام العالمية يعرف أن دول العالم جميعها تشهد موجة غلاء «بعض» السلع فى أعقاب الحرب فى أوكرانيا. لكن «ربنا عرفوه بالعقل».
صحيح أن هناك دولًا مثلنا قفزت فيها أسعار السلع قفزة جنونية وتجارها يشطحون فى الناس شطحات عنترية، لكن تظل هناك دول أخرى قادرة على التعامل الآنى مع الغلاء الحادث لا محالة بقدر أوفر من التنظيم والرقابة والمتابعة والمصارحة وإتاحة المعلومات وتوفير التحليل القائم على علم من قبل خبراء وليس المعتمد على البيض والبسطرمة أو المكتفى بمطالبة المواطن بتغيير أنماطه الاستهلاكية، ففى ذلك استفزاز وإغضاب وإسخاط، لو تدرون، عظيم وخطير.
ولو كنت مسؤولًا وغير قادر على كبح جماح جشع التجار وإصرارهم على دق مسامير إضافية فى نعوش المستهلكين، لكبحت جماح إعلاميين ومنظرين وخوابير الاستراتيجيا والاقتصاد والتدبير والسياسة ممن يُخبروننا أن حل الغلاء فى يد المواطن وحده، وهم أدرى الناس أنهم ينطقون تدليسًا وتلفيقًا.
ولا أظن أبدًا أنهم مُجبرون على ما يقولون، لأن ما يقولون والعدم سواء. ليس هذا فقط، بل أقاويلهم تلك تضرب جهود الحكومة فى التعامل مع الوضع الحالى بحسب الإمكانات والقدرات. أتفق تمامًا مع ضرورة تعديل أنماط استهلاكنا وطرق «فشخرتنا» فى الإنفاق، مثل جهاز العروسين مثلًا، لكن هذا ليس وقته. والوقت أيضًا ليس مناسبًا لاستعراض الخطط المستقبلية للاكتفاء الذاتى من القمح لأنه بحلول هذا الوقت لن يكون هناك من يأكل هذا القمح.
أعلم تمامًا أنه لا يوجد شىء اسمه «فرض تسعيرة رسمية على التجار»، لكن هناك خطوات تبدأ بالمصارحة وتمر بالشرح وتنتهى بحلول ولو مؤقتة. فى بريطانيا مثلًا (والهدف ليس المقارنة بهم ولكن الاطلاع على أسلوب التعاطى)، قال متحدث باسم الحكومة قبل أيام: «ندرك الضغوط التى يواجهها الناس فيما يتعلق بتكاليف المعيشة، كما أننا نتجه صوب ركود شبه مؤكد فى مستويات المعيشة للجميع، ولهذا نعمل على توفير دعم بقيمة كذا فى هذه السنة المالية والمقبلة للمساعدة على تخطى الأزمة الحالية. وهذا يشمل تجميد رسوم الوقود وإطلاق برنامج لدعم فواتير الطاقة مع تقديم برامج دعم خاصة للأسر الأكثر فقرًا».
ماهية الخطوات المتخذة فى بريطانيا تكاد تتطابق مع ما يجرى هنا مع اختلاف القدرات المادية لميزانية الدولة والمستويات المعيشية للناس. لكن الفروق الثلاثة الرئيسية هى: أننا نختلف عن الآخرين فى وفرة «ضعاف النفوس» من التجار، والمعلومات تُشرح دون اجتهاد تجميلى مزرٍ، والخطاب الإعلامى لا يستفز الناس بتحميلهم مسؤولية مواجهة الغلاء فى الوقت الخاطئ تمامًا.