بقلم - أمينة خيري
ما زلت على يقين بأن ضبط ولو مجال واحد من مجالات الحياة اليومية فى مصر قادر على فعل المعجزات، والاستمرار فى الفشل أو التجاهل أو التباعد أو عدم الاعتراف أو عدم الالتفات إلى أن حال الشارع يضرب يقلب أيضاً قادر على فعل الموبقات، وما زلت مصرة على أن الرسالة الواضحة والوحيدة والفريدة التى وصلت وفُهِمت من قبل عموم المصريين هى أن المواطنين متروكون ليواجهوا بعضهم البعض فى الشارع، فإن كان المعتدى أقوى من المعتدى عليه، فهنيئاً للأول بالنصر و«حظ أفضل المرة المقبلة» للأسوأ، وإن كان السايس قوى الشكيمة مفتول العضلات طويل اللسان مقارنة بصاحب السيارة المراد إيقافها، فالأول هو الفائز والأخير هو الخاسر وبئس المصير، وإذا كان التاجر قادراً على فرض تسعيرته رغم أنف الزبون ورغم خلو جيبه، مستفيداً بأنه لا سند له أو ظهر أو متكأ، فالتاجر هو الفائز والمشترى هو الخاسر، وهلم جرا. وما يجرى فى عربات المترو، الذى كتبت وكتب عنه البعض من فوضى عارمة، وتحديداً فى الخطين الأول والثانى إنما هو رسالة قاسية إلى الطبقة المهروسة المفعوصة بين شقى رحى الأسعار المتفاقمة والرواتب المتقزمة، قوامها أن الهرس علينا حق والفعص سيتم دون وجه حق، عشرات الباعة والبائعات الجوالين فى العربات، حيث زعيق رهيب وتشاحن فيما بينهم لعرض البضاعة الرديئة مع جيوش جرارة من المتسولين الحاصل أغلبهم على دبلومة «الأداء المسرحى المفتعل» شديد الرداءة، ويزيد الطين بلة بلجوء الكثيرات من المتسولات إلى النقاب، فمنه سترة لهويتهن، ومنه تجارة بالدين، أو بالأحرى تحت نظر مسئولى الخطين الأول والثانى وأولى أمر مترو الأنفاق برمته. وما دامت السيطرة على فوضى الشارع المرورية، وجنون الطرق السريعة والبطيئة، والحيلولة دون السيطرة على هطل الطريق الذى يوقع آلاف القتلى والمصابين على الطريق لا لشىء إلا لأن الجهات المختصة غير مهتمة أو غير راغبة أو غير قادرة أو غير واعية بفداحة ما يحدث، فربما تقرر الدولة أن تقدم نموذجاً ناجحاً فى إعادة فرض سيطرتها وبسط النظام رغم أنف الكبير قبل الصغير على المترو مثلاً؟!
المترو بخطوطه الثلاثة عامر بالإمكانات المادية والبشرية، فقد زادت أسعار التذاكر أضعافاً مضاعفة ولن يكون من المقبول التذرع بضيق ذات اليد، وأعداد العاملين فى الأمن من النائمين على ماكينات الكشف عن المتفجرات والملهيين فى التكتكة على الموبايلات، الذين يصلون الفرض والسنة ويزيد فى الزوايا المنتشرة فى حرم المحطات وذلك فى أوقات العمل الرسمية تسمح بفرض النظام فرضاً. خذ عندك مثلاً تناحر الركاب الفوضوى والمؤلم فى السير داخل المحطات سواء للانتقال من رصيف إلى آخر أو للخروج. تلاحظ تصرفاتهم، فتجدهم يكسرون على بعضهم البعض، ويتزاحمون للصعود على السلالم المتحركة، ويحكمون الفهلوة الرديئة فيسيرون عكس الاتجاه لاختصار بضع ثوان وكأن تأخرهم سيصيب بورصة نيويورك بالانهيار، ألا توجد طريقة لتنظيم سير الركاب وإجبارهم على الالتزام بصفة مستمرة وليس عبر حملة تستغرق ساعتين أو ثلاثاً؟
إذا كان نظام تعليمنا انهار على مدى العقود الماضية وخرّج لنا أجيالاً فقدت للأسف بديهيات الذوق فى التعامل والنظام فى المشى واحترام حقوق الآخرين فى الشارع، وإذا كان سباق الأرانب لم يعد يترك فرصة للأهل لتربية الصغار على أبجديات الحس العام، فعلى القانون المطبق بحسم وعدل أن يفعل ذلك لحين إصلاح المكسور.
ضبط المترو لا يحتاج معجزة، بقدر ما يحتاج إرادة وإصراراً، وكما نجح أحدهم فى أن يجعل فى داخل كل محطة ما لا يقل عن زاويتين للصلاة ومكبر صوت يؤذن فيه المؤذن وتتناثر الأحذية حول شباك التذاكر، وذلك حتى يرضى الله عنا، فإن أحدهم آخر قد ينجح أيضاً فى أن يعيد بناء إنسان المترو، فإن فى ذلك رضا الله والشعب.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع