توقيت القاهرة المحلي 04:12:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بناء إنسان المترو

  مصر اليوم -

بناء إنسان المترو

بقلم - أمينة خيري

ما زلت على يقين بأن ضبط ولو مجال واحد من مجالات الحياة اليومية فى مصر قادر على فعل المعجزات، والاستمرار فى الفشل أو التجاهل أو التباعد أو عدم الاعتراف أو عدم الالتفات إلى أن حال الشارع يضرب يقلب أيضاً قادر على فعل الموبقات، وما زلت مصرة على أن الرسالة الواضحة والوحيدة والفريدة التى وصلت وفُهِمت من قبل عموم المصريين هى أن المواطنين متروكون ليواجهوا بعضهم البعض فى الشارع، فإن كان المعتدى أقوى من المعتدى عليه، فهنيئاً للأول بالنصر و«حظ أفضل المرة المقبلة» للأسوأ، وإن كان السايس قوى الشكيمة مفتول العضلات طويل اللسان مقارنة بصاحب السيارة المراد إيقافها، فالأول هو الفائز والأخير هو الخاسر وبئس المصير، وإذا كان التاجر قادراً على فرض تسعيرته رغم أنف الزبون ورغم خلو جيبه، مستفيداً بأنه لا سند له أو ظهر أو متكأ، فالتاجر هو الفائز والمشترى هو الخاسر، وهلم جرا. وما يجرى فى عربات المترو، الذى كتبت وكتب عنه البعض من فوضى عارمة، وتحديداً فى الخطين الأول والثانى إنما هو رسالة قاسية إلى الطبقة المهروسة المفعوصة بين شقى رحى الأسعار المتفاقمة والرواتب المتقزمة، قوامها أن الهرس علينا حق والفعص سيتم دون وجه حق، عشرات الباعة والبائعات الجوالين فى العربات، حيث زعيق رهيب وتشاحن فيما بينهم لعرض البضاعة الرديئة مع جيوش جرارة من المتسولين الحاصل أغلبهم على دبلومة «الأداء المسرحى المفتعل» شديد الرداءة، ويزيد الطين بلة بلجوء الكثيرات من المتسولات إلى النقاب، فمنه سترة لهويتهن، ومنه تجارة بالدين، أو بالأحرى تحت نظر مسئولى الخطين الأول والثانى وأولى أمر مترو الأنفاق برمته. وما دامت السيطرة على فوضى الشارع المرورية، وجنون الطرق السريعة والبطيئة، والحيلولة دون السيطرة على هطل الطريق الذى يوقع آلاف القتلى والمصابين على الطريق لا لشىء إلا لأن الجهات المختصة غير مهتمة أو غير راغبة أو غير قادرة أو غير واعية بفداحة ما يحدث، فربما تقرر الدولة أن تقدم نموذجاً ناجحاً فى إعادة فرض سيطرتها وبسط النظام رغم أنف الكبير قبل الصغير على المترو مثلاً؟!

المترو بخطوطه الثلاثة عامر بالإمكانات المادية والبشرية، فقد زادت أسعار التذاكر أضعافاً مضاعفة ولن يكون من المقبول التذرع بضيق ذات اليد، وأعداد العاملين فى الأمن من النائمين على ماكينات الكشف عن المتفجرات والملهيين فى التكتكة على الموبايلات، الذين يصلون الفرض والسنة ويزيد فى الزوايا المنتشرة فى حرم المحطات وذلك فى أوقات العمل الرسمية تسمح بفرض النظام فرضاً. خذ عندك مثلاً تناحر الركاب الفوضوى والمؤلم فى السير داخل المحطات سواء للانتقال من رصيف إلى آخر أو للخروج. تلاحظ تصرفاتهم، فتجدهم يكسرون على بعضهم البعض، ويتزاحمون للصعود على السلالم المتحركة، ويحكمون الفهلوة الرديئة فيسيرون عكس الاتجاه لاختصار بضع ثوان وكأن تأخرهم سيصيب بورصة نيويورك بالانهيار، ألا توجد طريقة لتنظيم سير الركاب وإجبارهم على الالتزام بصفة مستمرة وليس عبر حملة تستغرق ساعتين أو ثلاثاً؟

إذا كان نظام تعليمنا انهار على مدى العقود الماضية وخرّج لنا أجيالاً فقدت للأسف بديهيات الذوق فى التعامل والنظام فى المشى واحترام حقوق الآخرين فى الشارع، وإذا كان سباق الأرانب لم يعد يترك فرصة للأهل لتربية الصغار على أبجديات الحس العام، فعلى القانون المطبق بحسم وعدل أن يفعل ذلك لحين إصلاح المكسور.

ضبط المترو لا يحتاج معجزة، بقدر ما يحتاج إرادة وإصراراً، وكما نجح أحدهم فى أن يجعل فى داخل كل محطة ما لا يقل عن زاويتين للصلاة ومكبر صوت يؤذن فيه المؤذن وتتناثر الأحذية حول شباك التذاكر، وذلك حتى يرضى الله عنا، فإن أحدهم آخر قد ينجح أيضاً فى أن يعيد بناء إنسان المترو، فإن فى ذلك رضا الله والشعب.

نقلا عن الوطن 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بناء إنسان المترو بناء إنسان المترو



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon