بقلم - أمينة خيري
مقاومة النظر في المرآة لا تعنى أن وجوهنا ليست في حاجة إلى عَمرة بفتح العين».. بهذه الكلمات أنهيت مقال «من الثانوية إلى سوق العمل»، وبها أبدأ اليوم.
لو نظرنا إلى المرآة سنرى سوق عمل تتطلب مواصفات أغلبها لا يتوفر إلا في نسبة قليلة من خريجى الجامعات والمعاهد. الأرقام تقول إنه في كل عام تضخ الجامعات نحو 472 ألف خريج وخريجة من الجامعات الحكومية فقط. خريجو الكليات النظرية يمثلون أكثر من 76 في المئة، فيما يمثل خريجو التخصصات العملية نحو 24 في المئة، رغم أن حاجة سوق العمل للتخصصات العملية أعلى.
بالطبع، الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ضربت العالم كله ونسبة التضخم الآخذة في الارتفاع أثرت سلبًا على العديد من القطاعات، وهو ما ينعكس فورًا على نسب التوظيف، إلا أننا سنعتبر هذه الأجواء الضاغطة مؤقتة إلى حد ما.
وكلما أمعنت النظر في صور وفيديوهات الطالبات اللاتى يفقدن الوعى لصعوبة الفيزياء، والأمهات المولولات على مستقبل الأبناء، والطلاب الذين تراودهم أفكار الانتحار، والآباء الذين يحسبون حسبة بسيطة في أدمغتهم حيث إجمالى المصروف على الدروس الخصوصية على مدار سنوات التعليم المدرسى من أجل يوم يكرم فيه الابن أو يهان، حيث إما مجموع يؤهل لكليات القمة الدراسية (والتى هي بالمناسبة لا علاقة لها بالمكانة والفرصة في سوق العمل)، وإما مجموع يترك لمكتب التنسيق حق تقرير المصير، فيصلون إلى نتيجة مفادها أن أموال الأسرة راحت هباء.. أتساءل: رغم هذا الكم المذهل من الشاشات الذكية التي نحملها بين أيدينا أينما ذهبنا، أليس بيننا رجل حكيم أو امرأة رصينة، يكتب «مستقبل العمل» على «جوجل» ما يتيح له النظر في المرآة؟.. هذه الدقة البسيطة ستخبرنا بأن 85 في المائة من المؤسسات والشركات في العالم تتجه بسرعة البرق نحو الاستعانة بتقنيات رقمية بالغة الحداثة من شأنها أن تعصف تمامًا بنحو 300 مليون وظيفة في العالم. على سبيل المثال لا الحصر: قيادة الطائرات، خدمة العملاء عبر الهاتف، المحاسبة، العديد من العمالة البنكية، منظمو السفر، مذيعو النشرات وربما المحاورون، التسويق العقارى، توصيل الطلبات، قيادة السيارات، عمال التجميع، وقائمة طويلة من الأعمال الإدارية يتوقع لها الانقراض أو الاختفاء. صحيح أن هذه التحولات الناجمة عن التقنيات الحديثة تحدث في الدول النامية بوتيرة أبطأ من الدول المتقدمة، لكن التحول لن يستثنى أحدًا من آثاره، بغض النظر عن حجة الكثافة السكانية المرتفعة التي تؤخر الرقمنة لصالح توظيف الملايين التي لا عمل لها؛ لأنها لا تتقن أيًا من متطلبات سوق العمل.
أنظر إلى الطالبة المنهارة لأنها «لم تقفل امتحان المنطق»، وأتصور انهيارها الذي سيكون مستحقًا بعد تخرجها في الجامعة بعدما تكتشف أن الولولة مستحقة ولكن على المنطق. العَمرة (بفتح العين) المجتمعية الفكرية باتت أولوية