بقلم - أمينة خيري
«ما الوطنية؟».. يبدو السؤال جديرًا بموضوع إنشاء فى حصة اللغة العربية وقت أن كان «الأستاذ» يسهّل علينا حياتنا، ويمنحنا خمسة عناصر نبنى عليها الموضوع. وعلينا الاستشهاد ببيت شعر وآية من القرآن الكريم، للدلالة على معانى الوطنية. وكلما كتبنا أكثر، انبهر المصحح بطلاقة أقلامنا وحصافة عقولنا وأعطانا درجة أقرب إلى الدرجة النهائية، وحبذا النهائية. عشرة على عشرة فى الوطنية.
لكن الحقيقة أن تعريف الوطنية أمر بالغ الصعوبة، ولا سيما هذه الأيام. إذا سألت أى شخص، بغض النظر عن درجة تعليمه ونوعيته أو عمره أو انتماءاته الاجتماعية والاقتصادية، سيخبرك أن الوطنية هى حب الوطن.
لكن.. ما المقصود بحب الوطن؟.. أول ما يتبادر إلى ذهن الأكبر سنًا ربما الكلمات الرائعة التى غناها الراحل محمد عبدالوهاب: «حب الوطن فرض عليا، أفديه بروحى وعينيا». وهنا تتركز معانى الحب فى «الفرض» وليس الاختيار، كما ترتبط ارتباطًا شرطيًا بالفداء والتضحية بالروح والعينين، أغلى ما يملك الإنسان.
وقد يأتى الأصغر سنًا، أو أولئك الذين ينتهجون نوعًا من التفكير النقدى فى الأشياء بعيدًا عن الفرض والإلزام والإجبار، فيخبروننا بأن الحب، ولو كان للوطن، اختيارى، وأن مسألة التضحية نسبية أو رمزية.. بل قال لى أحدهم ذات مرة إن مجرد بقائه فى الوطن فى ظل ظروف اقتصادية صعبة هو تضحية، ولا مجال أن يطلب منه أحد المزيد منها.
نعم، حتى تعريف الوطنية أمر صعب. خذ عندك مثلًا عزيزى القارئ.. يعتقد البعض أنه وطنى حين ينعت مواطنا آخر بقلة الوطنية، بل ربما الخيانة، لأنه ينتقد فسادًا أو إهمالًا أو تقاعسًا فى الوطن. وقد يذهب المواطن الهُمام إلى درجة اغتيال المواطن المنتقد معنويًا، وذلك عبر شتمه وسبه ووصمه بالعمالة مثلًا على منصات السوشيال ميديا، وذلك حتى يرتدع ويعود إلى حب الوطن بمعايير المواطن الوطنى الأول.
الطريف أن المواطن الذى ينتقد سلبيات ما فى الوطن قد يعتبر بدوره المواطن الأول الرافض للانتقاد، والمندد بمبدأ المطالبة بالتحسين والتطهير غير وطنى أو ناقص وطنية. لماذا؟ لأنه يؤمن بأن الوطنية هى الرغبة المستمرة فى تحسين أداء الدولة المقامة على أرض الوطن.. وهلم جرا.
أعتقد أننا جميعًا فى حاجة إلى مراجعة معنى الوطنية، لا بغرض اعتماد تعريف محدد لها وفرضه فى حصة التعبير أو فى تصحيح سؤال «ما المقصود بالوطنية؟» فى امتحان النصوص، ولكن لتوسيع الأفق، وحبذا لو تصحيح معتقدات وأفكار، دون أن يعلن أحدهم فوقيته على الآخرين فى الوطنية.
ويمكن أن تكون نقطة البداية التفكير فى الفرق بين «الوطنية» Patriotism و«الوطنية» Nationalism.. وهذه الأخيرة تترجم أحيانًا «قومية»، ولكنها تظل فى قواميسنا «وطنية».
أسمع البعض يقول: «ما هذا الصداع؟! حب الوطن هو حب الوطن وخلاص!» وأنا أقول: ربما إعادة التعريف تعطينا براحًا أوسع لنحب الوطن، كلٌّ بطريقته.. أو «خَلّونا نِتسلّى».