بقلم - أمينة خيري
جيد جدًا أن تطمئننا الحكومة بصفة شبه يومية، وأحيانًا أكثر من مرة فى اليوم الواحد، أن مخزون القمح آمن وكافٍ. وجيد جدًا أن نطالع أخبارًا وتقارير تفيد بأن اتصالات عدة تجرى من أجل مزيد من التنويع فى مصادر القمح الذى نستورده، وذلك بديلًا مؤقتًا عن اعتمادنا شبه الكبير جدًا على القمح الوارد من أوكرانيا وروسيا. لكن مطلوبًا أيضًا الحذر من أن نرتاح ونطمئن زيادة عن اللازم. فنحن لا نعيش بمعزل عما يجرى فى الكوكب، وما يجرى فى الكوكب كبير ومريع. فلا العالم ولا نحن تعافينا من آثار وباء ضرب الجميع على مدار ما يزيد على عامين، مع العلم أن إعلان العديد من الدول انتهاء إجراءات الحظر والعزل والإغلاق لا يدل على انتهاء الوباء، بقدر ما يدل على وهن الاقتصاد وعدم امتلاك رفاهية الإجراءات الاحترازية أكثر من ذلك. وتكفى نظرة سريعة على عدادات الإصابات اليومية لنعى فداحة الوضع. فى بريطانيا مثلًا، تحدث حاليًا إصابة بين كل 13 شخصًا يوميًا، وبلغ عدد المصابين فى أسبوع واحد فى مارس 4.9 مليون
كما أن ما يجرى فى العالم، ولو كان على بعد آلاف الأميال، يؤثر علينا بشكل مباشر وواضح وصريح، ولعل حرب روسيا فى أوكرانيا درس مفيد لنا، متعدد الجوانب. فما أن اندلعت الحرب وبدأنا نتابع أحاديث القمح والكوارث المتوقعة على العالم، حتى تساءل كثيرون: «واحنا مالنا ومال روسيا وأوكرانيا؟»، واتضح أن مالنا كبير وكبير جدًا، وأن ما يجرى على بعد 4279 كيلومترًا منا (وهى طول المسافة بين القاهرة وكييف) يؤثر فى فرن «عم عبده»، وخبز التموين المدعم، ونية مدام عنايات المبيتة لخبز كعك العيد فى البيت، ومخطط أستاذ فتحى لشراء بسكوت العيد جاهزًا هذا العام.
طمأنة التصريحات الرسمية جميلة وجيدة. والخطوات السريعة والدؤوبة التى يتخذها المسؤولون لفتح قنوات بديلة للحصول على احتياجاتنا من القمح تستحق الثناء، مع العلم أن القمح لا يأتى منزهًا عن الأغراض السياسية أو الأهداف الاستراتيجية، بمعنى آخر أن القمح أداة سياسية واستراتيجية قبل كونها سلعة زراعية.
أتصور أن الوضع يستوجب قدرًا معتبرًا من التفكر والتدبر فى استخداماتنا من القمح. وأعتقد أن شرحًا بسيطًا وافيًا مفصلًا دون تهويل أو تهوين من شأنه أن يوضح لنا أن وضع القمح وأزمته ليسا حكرًا علينا، وأن الترشيد الشديد والتحول إلى البدائل وإعمال العقل والضمير والمسؤولية الإنسانية فى الاستهلاك حتى لو كان الدقيق ومنتجاته متوافرًا، أمور واجبة على الجميع. بالطبع سيعتقد البعض أن الحكومة تبالغ فى الضغط الاقتصادى علينا، وسيخرج من يؤجج هذه المشاعر اتباعًا لهواية الصيد فى المياه العكرة، لكن المعلومة والشرح كفيلان بالطمأنة. ويبقى الحديث عن الاكتفاء الذاتى من القمح ذا شجون، لكنه سيكون على رأس قائمة أولويات التعلم من الدرس القاسى.