بقلم - أمينة خيري
العبرة بالاستمرارية. والحد الفاصل هو نسب الحوادث ومعدل الخروقات المرورية، ولأن كل غربال له شدة، فإننا نرغب فى أن تكون الشدة عقيدة، وسلامة الطرق فريضة، وأمن المواطن وأمانه على الدائرى وغيره من الطرق المصرية غاية تنشدها إدارة المرور وليس تحصيل رسوم المخالفات أو التصوير أمام الكاميرات أو إثبات أن البدايات ملتهبة والنهايات معروف مآلها.
وقد آلى مواطنون على أنفسهم ألا ينتظروا الكثير من قوانين المرور القديم منها والجديد، الموعود بتطبيقها والمٌتجاهَل وجودها من الأصل، شريحة صغيرة من المصريين -ممن تبقوا من عصر الحفاظ على القيم والقوانين والسلوكيات- تنزل من بيوتها صباح كل يوم وهى تعلم فى قرارة نفسها أن احتمالات عودتها إلى البيت تتضاءل بمرور الأيام، هذه الشريحة آمنت وسلمت أن إصرارها على اتباع قواعد المرور (من سير فى حارات وعدم اجتياز الآخرين إلا تبعاً للقواعد واستخدام الكلاكس باعتباره آلة تنبيه وليست ترفيهاً أو تسفيهاً وعدم الركن فى الممنوع أو تعدى السرعات المقررة أو السير عكس الاتجاه إلخ) يضعها فى مكانة المختلين عقلياً والضعفاء نفسياً والمعتدى عليهم لفظياً.
تخيل معى حال من يتبع كل ما سبق من قواعد وقوانين مرورية فى شوارع القاهرة أو أى من المدن الكبرى أو الصغرى، فهو إما منبوذ أو مشتوم أو مضرور، لماذا؟ لأنهم أقلية، ولأن من يلجأ إليهم لنصرة المجنى عليه أو معاقبة الجانى من توك توك مارق أو ميكروباص خارق أو ملاكى عاص أو أمين شرطة يفرض إتاوة ملوحاً بدفتر المخالفات أو سايس مستولٍ على حرم الشارع، يكونون غالباً غير موجودين أو مسفهين من حجم المشكلة أو مطالبين إياه بما لا طاقة له به من ضبط المعتدى وإحضاره، أو التشبث بمبدأ «المسامح كريم»، أو ما شابه.
وقد شاب الإعلان عن قرب تطبيق قرار منع سير النقل على الطريق الدائرى -أحد أكثر الطرق حصاداً للأرواح وإصابة للمواطنين وإهداراً للممتلكات بسبب الرعونة والجهل والأنانية التى ترعى فى تربة قوامها غياب المراقبة والمحاسبة- مشاعر مختلطة لدى المواطنين، فبين متفائل بأن القرار سيطبق بشدة، فالقرار صادر عن مجلس الوزراء وتم الترويج له بشكل واضح وصريح، ومتشائم من أن يلحق القرار بترسانة القرارات الأخرى المتراوحة بين منع سير التوك توك، والسيطرة على جنون الميكروباص، ونثر الرادار على طرق الموت، وعودة الانضباط حيث حزام الأمان وعدم التحدث فى المحمول أثناء القيادة إلخ، وبين متأرجح بين هذا وذاك، حيث عودة بعض ضباط وأفراد المرور إلى الطريق مؤشر خير، وانعدام وجودهم فى أغلب الطرق الأخرى مؤشر «عكس الخير»، وفريق رابع متضرر متأفف، حيث تراوده مشاعر الخوف من أن ينجح قرار المنع ويتلوه ما هو «أسوأ» منه، حيث مراقبة السرعات ومعاقبة المتعدين، وتوقيف مقترفى جريمة القيادة الجنونية والسير عكس الاتجاه وكسر الإشارات والسير بطريقة الـ«زيج زاج» وغيرها من موبقات الطريق فى مصر.
موبقات الطريق فى مصر التى تحصد نحو 12 ألف روح سنوياً، ومثلهم تقريباً إصابات بعضها يسبب إعاقات مدى الحياة، ناهيك عن خسائر مادية تقدر بنحو 30 مليار جنيه كل عام تمضى فى عرف الثقافة المتدينة بالفطرة باعتبارها «قضاء وقدراً»، لكن من شأن القضاء أن يكون أكثر رحمة بتوقيف المعتدين الذين يجتاحون الشوارع ليل نهار على مسمع ومرأى من الجميع، ومن شأن القدر أن يكون أكثر لطفاً بنا فى حال عاد الغائبون إلى مواقعهم فى الشوارع والميادين، لا لتأمين سير الكبار فقط، ولكن لحماية أرواح الجميع أيضاً.
ودون زعل أو دفاع أو هجوم أقول إن من بيده تطبيق القوانين وضبط الشارع وربط المخالف حقناً للدماء المسالة على مدار اليوم كل يوم لن يتمكن من القيام بذلك والاستمرار فى القيام به إلا إذا كان قد تربى وتعلم وأصبح على يقين بأن القضاء والقدر لا يعنيان ترك الشوارع تضرب تقلب، وأن مناشدة المواطنين الالتزام هى والعدم سواء، ما دام القانون فى قيلولته الممتدة، وأن إعلانات التوعية المرورية هى فيتامينات مكملة للوجبة الرئيسية القائمة اليوم وليس غداً على معاقبة المخالفين حتى لو كانوا أبناء فلان بك وأقارب علان باشا، أو حتى لو كانوا فلان بك وعلان باشا شخصياً، بالإضافة إلى خطة طويلة الأمد تقوم على دمج السلامة على الطريق ضمن المناهج التى تدرس فى المدارس وليس فى «سنتر الدروس الخصوصية».
وبدلاً من الإغراق فى قصص الأولين ومعجزات السلف الصالح والدعاء على من لا ينتمون لنفس الدين والإيعاز بأن الدين ليس إلا مجموعة من المظاهر، فمطلوب أيضاً من رجال الدين أن يدمجوا السلامة على الطريق ضمن خططهم لنشر الدين والتلويح بمعاقبة المتقاعسين، لا سيما أن التقاعس عن العمل لا يقل فداحة عن التقاعس عن العبادات.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع