بقلم - أمينة خيري
لولا أن المعرفة كثيرا ما ينجم عنها ألم نفسى وشعور بقلة الحيلة، ولولا أن ما تتم تعريته أحيانا من حقائق ومجريات تقع كالصاعقة على مكتشفها، لقلت إن التعرف على ما يدور فى أدمغة الكثيرين وقلوبهم وعقولهم مثير وممتع. لكن المتعة فى معرفة أن هناك من يعترض ويعارض فكرة الدعاء لغير المسلمين أو حتى الاكتفاء بالدعاء دون تحديد خانة ديانة المدعو لهم غائبة تماما. المسألة لا تتعلق بحرية الرأى، فهذا حق أصيل. لكن حرية الرأى حين تكشف عن رفض تام للآخر وقناعة تامة بأن «أنا فقط» السائر على الطريق الصحيح، و«أنا فقط» مالك صك دخول الجنة، فهى حرية مثيرة للقلق. وقمعها أو كبتها ليس الحل، لكن علاج أسبابها الحل والوقاية للأجيال القادمة.
الأجيال القادمة لن تستوى أمورها الإنسانية والاجتماعية والثقافية إلا بالبحث والعلاج للأجيال الحالية وما أصابها من عطب فى الفكر وعلة فى الرؤية. والعطب والعلة والمرض ليست مسؤولية المصاب، لكنها مسؤولية وتهمة من تسبب فيها. والمتسبب أو بالأحرى المتسببون فى استمرار أفكار مسمومة وأخرى ظلامية تليق بالعصور ما قبل الوسطى مازالوا وثريتهم ومن تربى فى كنف أفكارهم أحياء يرزقون. وهم يقومون بمهمة التوريث. إنه توريث الظلام.
قبل أيام، كتبت المستنيرة المثقفة رئيسة المجلس القومى للمرأة الدكتورة مايا مرسى على صفحتها على فيسبوك، تعليقا على ما قالته نقيبة أطباء القاهرة الدكتورة شيرين غالب، أستاذ الطب الشرعى والسموم. وكانت الدكتورة شيرين قد نصحت خريجات كلية طب الأزهر جامعة أسيوط بأن على الشابات من الخريجات الطبيبات أن يكون اهتمامهن فى المقام الأول بالبيت ثم تأتى المهنة بعد ذلك!.
الدكتورة مايا مرسى قالت فى تعليقها إنها كانت تتمنى أن تتحدث الطبيبة مع الخريجات عن الصعوبات التى واجهتها حتى حققت نجاحها، وحثهن على العمل والاجتهاد، مع وعد بأن تعمل على تقديم خدمات ورعاية أسرية فى أماكن العمل من شأنها أن تساعدهن على النجاح فى عملهن وتحقيق التوازن المطلوب بين العمل والأسرة.
كلام جميل وكلام معقول. لكن ما دارت رحاه من تعليقات يستحق الدراسة. وهذه الدراسة من شأنها أن تتيح للمهتمين أو الراغبين أو المستعدين لتغيير ما نحن فيه من ظلام وظلمات مادة خام للعلاج. كم مذهل من التعليقات التى تؤيد ما قالته الدكتورة رشا، من منطلق قالوا إنه «دينى»، وذهب الأمر بالبعض إلى نعت المعترضين على هذه النصيحة فى تلك المناسبة بأنهم «علمانيون» و«كارهون للدين» و«يعملون من أجل نشر الأفكار الشاذة والغريبة» والقائمة تطول. هذا جانب من الفكر السائد فى المجتمع المصرى فى عام 2022. وأنا على يقين بأن توجيه الطبيبات فى مناسبة تخرجهن بأن تكون أولويتهن البيت لو جرى قبل 60 أو 70 عاما لأثار حفيظة المصريين، رغم أنهم كانوا فعليا وليس مظهريا أكثر تدينا.