بقلم - أمينة خيري
بينما أقلب فى أوراقى القديمة وجدت موضوعًا كتبته قبل ما يزيد على عقد؛ احتفاء بمشروع ينسب إلى وزير الأوقاف الأسبق الراحل الدكتور محمود حمدى زقزوق وهو الأذان الموحد. وقتها تم تنفيذ المرحلة الأولى (والأخيرة) فى نحو أربعة آلاف مسجد. اعترض البعض من هواة تضارب الأصوات وتعاليها باعتبارها معايير التدين ونشر الدين.
كان ذلك قبل سنوات وقت لم يكن الوجه الفعلى والحجم الحقيقى لما جرى فى مصر على يد مستلبى الدين ومن اختلوا بمنابر التفسير والتطرف وهيمنوا على عقلية البسطاء وغير البسطاء من باب «العودة إلى الله»- قد تبين بعد. لكن سطوة الدولة كانت حاضرة، وبالفعل بدأ المشروع وتم تزويد العديد من المساجد بتقنية البث المشترك بصوت جميل هادئ يدعو إلى التفكر والتأمل فى ملكوت الله وليس الاستنفار والاحتداد بفعل الصراخ، ناهيك عن تداخل الأصوات ما يجعل تفسير الكلمات مستحيلًا، بالإضافة إلى قبح صوت السايس أو البواب الذى قرر أن يؤذن. لكن فى أحداث يناير 2011، تمت سرقة أجهزة البث الخاصة بالأذان الموحد من المساجد وتوقف المشروع. فى الآونة الأخيرة، وبفضل جهد وزارة الأوقاف- التى أعتبرها المنبر الرئيسى للتعقل الدينى والوسطية الفكرية فى الأمور المتعلقة بالدين هذه الآونة- عاد المشروع إلى الواجهة على مدار العامين الماضيين. صحيح أن أغلب المساجد مازال ينتهج نهج الأذان الفردى، لكن مجرد طرح الفكرة وتطبيقها على عدد- ولو محدود- من المساجد هو إنجاز عظيم فى ظل الهوس الدينى السطحى السائد، والذى يعتبر انتقاد صوت المؤذن «الهاوى» القبيح حربًا ضد الدين، والاعتراض على تشغيل القرآن الكريم بصوت عال فى المقاهى أو التاكسيات وغيرها دعوة إلى الفسق. وكتبت قبل أسابيع مرة مشيدة بتدخل وزارة الأوقاف للسيطرة على مهزلة الأذان بأصوات أقل ما يمكن أن توصف به هو القبح الشديد، فى عدد من مساجد مدينة الشروق، ناهيك عن عشرات مكبرات الصوت التى تنافس أعداد المصلين، وأشرت مرة أخرى إلى أن جزءًا من المشكلة ليس فى ارتفاع الأصوات غير الصالحة للأذان لدرجة الصراخ فقط، بل فى دفاع الناس المستميت عن هذا القبح وهذه العشوائية، بل «الدعاء» و«الحسبنة» على من يطالب بالتنظيم والتهذيب والتجميل.
واعتبرت هذا الدفاع علامة على ما لحق بالخطاب الدينى فى مصر على مدار سنوات، مخلفًا البعض ممن يمسكون بتلابيب الصوت ويتركون جوهر الدين من معاملات ونظافة وحسن خلق «يضرب يقلب». تذكرت كل ما سبق حين تلقيت رسالة من قارئ وزوجته وكليهما فى العقد الثامن من العمر يسكنان شارع الجزيرة الوسطى فى الزمالك ويشكوان من صوت مؤذن «يستعرض كل ليلة حتى فجر اليوم التالى مواهبه الصوتية عبر الصراخ من خلال مكبر الصوت الموجه إلى أعلى» وهو ما يمنعهما تمامًا من النوم. أشفق كثيرًا على وزارة الأوقاف فهى تقف منفردة فى حلبة مصارعة متعددة الأطراف.