بقلم - أمينة خيري
تجنيد الأرواح أو سرقتها أمر مثير وخطير. على مر التاريخ والإنسان يخضع لمحاولات تجنيد عقله وقلبه. البعض يسمى «التجنيد» دعوة، والبعض الآخر يراه تسويقاً وعلاقات عامة بهدف تحقيق الأرباح. وآخرون لا يفكرون كثيراً فى الأمر. لماذا؟ لأنهم يسلمون مقاليد العقول والقلوب إما لما ألفوا عليه آباءهم أو لأول «شخص» يقابلهم لديه جاذبية الكلام والقدرة على الإقناع.
الطائفة المتصلة بمقتل رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبى، وهى «المونيين»، نسبة إلى مؤسسها سون ميونج مون (1920-2012)، والمعروفة باسم «كنيسة التوحيد»، واحدة من آلاف الجماعات التى تعمل فى مجال تجنيد الأرواح. وجماعات مثل «داعش» و«التكفير والهجرة» غيرهما تنضوى تحت المظلة نفسها، لكن هذه الجماعة أو الطائفة تستمد قوتها وسطوتها لا من تفجير المدنيين وتكفير الجميع، ولكن عبر تخطيط محكم وتحرك هادئ وتغلغل غريب يحتاج فهماً نفسياً واجتماعياً وكذلك اقتصادياً وسياسياً.
فـ«كنيسة التوحيد» أو «اتحاد الأسرة من أجل السلام العالمى والتوحيد» تملك من القوة والمال وقبلهما القدرة على الإقناع وتجنيد الأرواح للعوام، والإقناع وتجنيد العقول لغير العوام ما جعلها متغلغلة فى العديد من الدوائر السياسية والاقتصادية.
والمقصود بـ«العوام» هنا ليس الغلابة، لكن الأشخاص العاديون ممن لا يشغلون أنفسهم كثيراً بالحجة والمنطق. أو ربما أولئك الباحثون عن خلاص أو تعلق بـ«قشاية» روحانية أو ملجأ ذى صبغة دينية.
الآلاف من «المونيين» من العوام فى بلاد عديدة منها أمريكا واليابان وكوريا وغيرها تزوجوا فى مراسم جماعية ضخمة تبعاً لتقاليد هذه الطائفة التى تروج لنفسها باعتبارها قائدة إرساء القيم الإلهية على الأرض عبر منظومة الزواج، وهى المنظومة التى تجمع «عرائس وعرسان» فى حفل الزواج دون سابق معرفة، ولمَ المعرفة، والغرض هو تكوين أسرة؟ وشخصياً أعرف عدداً من هؤلاء. منهم من «هرب» من منظومة الزواج هذه بعد بضع سنوات، ومنهم من أكملها لأن الطائفة توفر له عملاً جيداً ودخلاً رائعاً وكفى.
لكن علاقة هذه الطائفة بالسياسة والاقتصاد العالميين لا تقف عند حدود حفل زواج جماعى للعوام هنا أو فرص عمل وحياة جيدة لكثيرين منهم هناك. لكن ما وراء هذه الواجهة من تشابك رهيب للمال والاقتصاد والسياسة مثير للبحث والتفكر. قليل من البحث ربما يقى صاحبه شرور الوقوع فى فخ بائعى السلع الفاسدة أو تجار الدين أو خبراء مقايضة، خذ عندك مثلاً العلاقة المثيرة بين الطائفة ورموز من التيارات اليمينية فى عدد من الدول. ورئيس الوزراء اليابانى السابق الراحل نفسه وجده ارتبط اسماهما بالكنيسة دون أن يكونا عضوين فيها. ولتقريب الصورة، فهذا يشبه الفرق بين عضو جماعة الإخوان مثلاً والمتعاطف معها!
غاية القول أن العالم يضج بآلاف الجماعات والطوائف -سواء المنشطرة عن أديان ومعتقدات موجودة بالفعل أو تقدم نفسها باعتبارها ديناً أو معتقداً قائماً بذاته- والتى لا يمكن إلقاء القبض على كل مؤسسيها أو مريديها أو المتعاطفين معها. فمثل هذه الأفكار ليست محرمة أو مجرمة فى العديد من الدول. وعادة لا تتم محاسبة هذه الجماعات فى هذه الدول إلا فى حالتين: الأولى هى الكشف عن أعمال مناهضة للقانون وخروجها إلى الجهر، والثانية هى خروج هذه الجماعات من مرحلة نشر الفكر إلى الاعتداء على كيان وقلب الدولة المدنية.
الثقافة والوعى وحدهما، وليس الكبس على نفس الثقافة أو استلاب الوعى بتعمية العيون وسد الآذان وتحريم السؤال والنقاش تحت مسمى الحماية، هما القادران على حماية الناس من حرامية الأرواح، الذين يأتون بأشكال مختلفة ومسميات متعددة.