بقلم - أمينة خيري
استوقفنى ما قاله الإعلامى عمرو أديب قبل أيام في مقدمة برنامجه «الحكاية» من أنه حان وقت التوقف عما كان وحصل ووقع وجرى لصالح ما سيكون ويحصل ويقع ويجرى. ما ذكره واضح، لكن الغارقين في بحر الماضى لا تتاح لهم فرصة النظر أو التفكر في غرقهم. يعتقدون أن هذه هي الحياة، وأن الأمواج التي تتقاذفهم يمين التاريخ ويسار الماضى هي ذاتها التي تحيا فيها شعوب الأرض.
والحقيقة أنه محق تماما. المسألة لا علاقة لها بإن كنت تحب عمرو أديب وتستسيغ برنامجه أو لا. المسألة هي أن ما أشار إليه في إطار حديثه عن خناقة كل عام في ذكرى 23 يوليو وإن كانت الثورة والراحل جمال عبدالناصر والضباط الأحرار وخمسينيات وستينيات القرن الماضى أفضل ما جرى في مصر في تاريخها الحديث أو أسوأه، وأن الصولان والجولان في هذه الدائرة المفرغة وغيرها من عشرات الدوائر تبتلعنا أم تنسينا الهدف الرئيسى ألا وهو المضى قدما.
صحيح أن بناء المستقبل يستوجب، في جزء من أساساته، دراسة الماضى وفهمه وتجنب أخطائه وهفواته، لكن أن تكون أساسات المستقبل كلها هبدا في الماضى ورزعا فيه، فهذا انتحار.
والمسألة لا تتوقف على مراجعات ثورة 23 يوليو، لكنها ممتدة إلى كل ما يتعلق بالماضى. جل وقتنا وأغلب جهدنا ضائعان في مناقشة إذا ما كان ما حدث في الماضى جيدا أم رديئا. تارة نحاول استنساخ ما جرى قبل مئات الأعوام معتبرين إياه غاية المنى والأمل، وأخرى، نغوص في أعماق دور مصر في حرب اليمن، وهل كان ينبغى أن نخوضها أم لا، وثالثة نبحث عمن نحمله وزر نكسة عام 1967، ورابعة نناقش قرار الرئيس الراحل عبدالناصر بالتنحى، وخامسة نحلل دور الرئيس الراحل السادات في تقوية شوكة الإسلام السياسى، وخامسة نبذل الغالى والنفيس من أجل إثبات أو نفى وطنية الرئيس السابق الراحل مبارك، وكل ما سبق وغيره يستحق، دون أدنى شك، البحث والتحليل من أجل المعرفة.
لكن حين نكتفى بهذا الغرق والإغراق، وحين نمتنع عن البحث والفهم ويقتصر دورنا على مهاجمة بعضنا البعض في مواسم إحياء ذكرى ما جرى قبل عقود وأحيانا قرون، ونتغاضى بشكل شبه تام عن المضى قدما في تحديد ما نريده لأنفسنا في المستقبل. لم تعد لدينا الطاقة الكافية لنفكر في حاضرنا وما نحن فيه. ربما لو لدينا «رؤية» لما نحلم به من مكانة في التعليم والصحة والرياضة والتكنولوجيا والفن والرفاه والصناعة والتجارة والزراعة والترفيه. هناك بالطبع من سيقول إننا نفكر في آخرتنا، وفى مآلنا، آملين أن تكون الجنة نصيبنا وجهنم نصيب آخرين غيرنا، لكن ما قصدته هو إفساح المجال ليكون لدينا وقت وجهد لوضع رؤية وليس رؤيا واقعية ثرية إيجابية. نريد رؤية مستقبلية لله.