بقلم - أمينة خيري
أجمل ما فى إفطار «الأسرة المصرية» التنوع. الحاضرون ليسوا فقط كبار رجال ونساء الدولة، لكنهم مواطنون ومواطنات يمثلون شرائح مختلفة. الحضور فى الإفطار الذى يدعو إليه الرئيس السيسى متباين، والقاعة ألوانها بألوان المجتمع. محافظات حدودية وأخرى فى قلب الدلتا وثالثة من عمق الصعيد. خلفيات اجتماعية وتعليمية واقتصادية مختلفة، والجميع يجلس حول مائدة واحدة ما يجعل الحديث بالغ الثراء والتجربة غاية فى الإمتاع. وزير سابق أو حالى، طالب جامعى، عاملة دليفرى، برلمانى، والد شهيد، ضابط جيش، صحفى، سائق تاكسى، وغيرهم، والجميع يجلس متجاورًا. كل يتحدث والجميع يستمع. وهذا لو تعلمون عظيم. فنحن على مدار عقد نعانى عرض التحدث دون الاستماع. لا نتحدث إلا مع من يشبهنا أو من يتطابق معنا فى أفكارنا وتوجهاتنا. هذا حديث مريح، لكنه قاتل. فسمة الأوطان الاختلاف والتباين. والأوطان التى تعمل من أجل استنساخ مواطنين صورة طبق الأصل من بعضهم البعض أوطان ماسخة باهتة لا طعم لها، والأهم والأفدح من ذلك أنها تتحول إلى أوطان هشة لا تصمد فى وجه العواصف. وتجعل هذه التركيبة المصطنعة الأوطان أكثر قابلية للتحلل والتفتت. ويستوى فى ذلك الدول الشيوعية التى حاولت أن تجعل من المواطنين جميعًا طبقة واحدة وتعليمًا واحدًا فى بيوت متطابقة وملابس متشابهة، وكذلك الدول الدينية التى تقوم على تطابق المواطنين فى العقيدة ونوع التدين وشكل الملابس وطبيعة الطقوس وطريقة أدائها ورفض كل آخر.
الاختلاف نعمة وعدم التطابق بركة كبيرة. هذا العام، إفطار «الأسرة المصرية» صار أكثر تنوعًا. ولأن سنة الحياة هى الاختلاف لا فى الشكل واللون والنوع والعقيدة فقط، بل تمتد إلى الاختلاف فى التوجهات السياسية والأيديولوجيات والانتماءات الفكرية، فإن الحضور اللافت لعدد من الرموز السياسية المعارضة التى انزوت أو توارت بعيدًا عن الأنظار لأسباب مختلفة فى السنوات القليلة الماضية هو عودة للطبيعة واستعادة لعافية مصر التعددية. الرئيس السيسى فى كلمته عقب الإفطار تطرق إلى العديد من القضايا الملحة، سواء عن الوضع الاقتصادى، أو ما وصلنا إليه على صعيد مواجهة الإرهاب وتطويقه والقضاء عليه، أو التذكرة بما جرى فى الماضى القريب عقب أحداث يناير 2011 وما أدت إليه من وصول الإخوان لكرسى الحكم، وغير ذلك. كما تلا على الحاضرين سلسلة من القرارات المهمة أتوقف عند ما يتعلق بـ«التعددية السياسية» فيها. بدء حوار سياسى مع الأطياف المختلفة يعنى أن هناك نية لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وهذا ما تستحقه مصر بالفعل. كما أن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى وتوسيع قاعدة عملها خطوة عظيمة. وما قاله الرئيس عن سعادته بالإفراج عن دفعات من «أبناء مصر» فى الأيام الماضية، وأن الوطن يتسع للجميع، وأن «الاختلاف فى الرأى لا يُفسد للوطن قضية» كان عن حق «طبق الحلو» فى إفطار الأسرة المصرية.