توقيت القاهرة المحلي 10:50:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الناجون من الهسهس والغارقون فيه

  مصر اليوم -

الناجون من الهسهس والغارقون فيه

بقلم - أمينة خيري

المصابون بداء الهسهس الدينى يبذلون جهدًا جهيدًا لتصوير السجال الدائر بأنه بين «المؤمنين» و«غير المؤمنين». ومن كتب الله لهم النجاة من هذا الفيروس اللزج الذى ضرب مصر فى أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضى، وكبس على أنفاسها وتمكن من أوصالها ومفاصلها حتى اليوم، يرونها حربًا ضروسا بين التفكير النقدى والتكفير النقضى.

وعلى النقيض مما ينبغى أن يكون عليه السجال أو الحوار، حيث يستمع كل طرف للآخر ثم يفكر قبل أن يرد، فإن الطرفين مستنفران متحفزان متربصان ببعضهما البعض. أهل الهسهس ترتعد أوصالهم وترتجف أطرافهم إن نادى أهل الفريق الآخر بما من شأنه أن يهيج مواطن هذا الهوس. يعترض أحدهم على صوت الأذان المرتفع، أو صوت المؤذن القبيح، أو الإصرار على بث الصلوات عبر مكبرات الصوت، فينعتونه بكراهية الدين ومعاداة الإيمان والترحيب بالرذيلة. يطالب آخر بعدم الإفراط فى العبادات على حساب المعاملات ويستشهد بما آلت إليه أحوال الناس فى مصر المتدينة فى نفس الوقت، الذى تدنت فيه الأخلاق وتحلل فيه السلوك، فيرمونه باتهامات تتراوح بين الإلحاد والإفساد.

وقد فسدت قنوات الحوار وتردت وسائل تجاذب أطراف الحديث بين الجبهتين. نظرة سريعة على مواقع «التواصل» الاجتماعى كفيلة بتشخيص أعراض الهسهس وكشف ضيق صدر الناجين منه. كلاهما يرى وجود الآخر تهديدًا له.

لم يعد الأمر جماعات إسلام سياسى تهدف إلى السيطرة على مفاصل الدولة أو الوصول إلى سدة الحكم، لكن واقع الحال يشير إلى خطاب دينى تُرِك يضرب يقلب على مدار عقود فاستلبه البعض لصالح التيارات المتشددة والمنغلقة والكارهة للآخر والمصابة بعقدة الفوقية، وسيطر عليه البعض الآخر باسم جماعات أنشأت دولة على هامش الدولة حيث علاج وسكن وصرف صحى ومياه شرب وتنشئة «دينية» لأغراض خاصة بتلك الجماعات.

ويخطئ من يعتقد أن إسقاط جماعة الإخوان فى عام 2013 أغلق باب التديين الغارق فى الانغلاق والمفرط فى الشعور بالفوقية على باقى خلق الله. بل العكس هو الصحيح. ومن يقنع نفسه بأن خطر ضرب الإسفين فى السلام الاجتماعى عبر نشر الفتنة وتوطيد الفرقة قد انتهى فهو واهم.

وهم التشعلق بتلابيب الطقوس الكثيرة والتفاصيل الدقيقة الكثيرة لحد الهوس باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الإيمان وضمان الطريق إلى الجنة ضارب فى أوصال المجتمع المصرى. ووصف هذا التشعلق بـ«الوهم» لا يعنى معاداة الدين أو كراهية المتدينين، لكنه يعنى معاداة إلغاء العقل وكراهية الإغراق فى الدروشة والبهللة على حساب المنطق. وقبل أيام، فوجئت بأستاذة فى كلية طب فى إحدى المحافظات وهى تحذر المجتمعات  على مائدة الإفطار من أن المشاركة فى الموالد شرك بالله، وأن «إتيكيت» دخول الحمام حيث الدخول بالقدم اليسرى وترديد دعاء الخبث والخبائث قبل وبعد دخول الحمام واجب على كل مسلم ومسلمة، وقائمة طويلة من الأفكار التى كنت أعتقد إنها تتحدث عنها على سبيل السخرية من المصابين بالهسهس، فإذ بها الهسهس نفسه.

المسألة لم تعد تحديث خطاب دينى، أو حث القائمين على الأمر لتطهير الخطاب مما لحق به من هلا��س تدفع دفعًا إلى القاع. علينا أن نسلم بأن ما جرى فى مصر ليس بسيطًا أو هينًا، وأن «طناش» تطهير الخطاب إنما ينذر بخطر داهم، وإن ترك الأمر لفريقى «الناجون من الهسهس» و«المصابون» به ليضربوا فى بعضهم البعض، فإن الضرب سيكون للركب.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناجون من الهسهس والغارقون فيه الناجون من الهسهس والغارقون فيه



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon