توقيت القاهرة المحلي 11:02:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الناجون من الهسهس والغارقون فيه

  مصر اليوم -

الناجون من الهسهس والغارقون فيه

بقلم - أمينة خيري

المصابون بداء الهسهس الدينى يبذلون جهدًا جهيدًا لتصوير السجال الدائر بأنه بين «المؤمنين» و«غير المؤمنين». ومن كتب الله لهم النجاة من هذا الفيروس اللزج الذى ضرب مصر فى أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضى، وكبس على أنفاسها وتمكن من أوصالها ومفاصلها حتى اليوم، يرونها حربًا ضروسا بين التفكير النقدى والتكفير النقضى.

وعلى النقيض مما ينبغى أن يكون عليه السجال أو الحوار، حيث يستمع كل طرف للآخر ثم يفكر قبل أن يرد، فإن الطرفين مستنفران متحفزان متربصان ببعضهما البعض. أهل الهسهس ترتعد أوصالهم وترتجف أطرافهم إن نادى أهل الفريق الآخر بما من شأنه أن يهيج مواطن هذا الهوس. يعترض أحدهم على صوت الأذان المرتفع، أو صوت المؤذن القبيح، أو الإصرار على بث الصلوات عبر مكبرات الصوت، فينعتونه بكراهية الدين ومعاداة الإيمان والترحيب بالرذيلة. يطالب آخر بعدم الإفراط فى العبادات على حساب المعاملات ويستشهد بما آلت إليه أحوال الناس فى مصر المتدينة فى نفس الوقت، الذى تدنت فيه الأخلاق وتحلل فيه السلوك، فيرمونه باتهامات تتراوح بين الإلحاد والإفساد.

وقد فسدت قنوات الحوار وتردت وسائل تجاذب أطراف الحديث بين الجبهتين. نظرة سريعة على مواقع «التواصل» الاجتماعى كفيلة بتشخيص أعراض الهسهس وكشف ضيق صدر الناجين منه. كلاهما يرى وجود الآخر تهديدًا له.

لم يعد الأمر جماعات إسلام سياسى تهدف إلى السيطرة على مفاصل الدولة أو الوصول إلى سدة الحكم، لكن واقع الحال يشير إلى خطاب دينى تُرِك يضرب يقلب على مدار عقود فاستلبه البعض لصالح التيارات المتشددة والمنغلقة والكارهة للآخر والمصابة بعقدة الفوقية، وسيطر عليه البعض الآخر باسم جماعات أنشأت دولة على هامش الدولة حيث علاج وسكن وصرف صحى ومياه شرب وتنشئة «دينية» لأغراض خاصة بتلك الجماعات.

ويخطئ من يعتقد أن إسقاط جماعة الإخوان فى عام 2013 أغلق باب التديين الغارق فى الانغلاق والمفرط فى الشعور بالفوقية على باقى خلق الله. بل العكس هو الصحيح. ومن يقنع نفسه بأن خطر ضرب الإسفين فى السلام الاجتماعى عبر نشر الفتنة وتوطيد الفرقة قد انتهى فهو واهم.

وهم التشعلق بتلابيب الطقوس الكثيرة والتفاصيل الدقيقة الكثيرة لحد الهوس باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الإيمان وضمان الطريق إلى الجنة ضارب فى أوصال المجتمع المصرى. ووصف هذا التشعلق بـ«الوهم» لا يعنى معاداة الدين أو كراهية المتدينين، لكنه يعنى معاداة إلغاء العقل وكراهية الإغراق فى الدروشة والبهللة على حساب المنطق. وقبل أيام، فوجئت بأستاذة فى كلية طب فى إحدى المحافظات وهى تحذر المجتمعات  على مائدة الإفطار من أن المشاركة فى الموالد شرك بالله، وأن «إتيكيت» دخول الحمام حيث الدخول بالقدم اليسرى وترديد دعاء الخبث والخبائث قبل وبعد دخول الحمام واجب على كل مسلم ومسلمة، وقائمة طويلة من الأفكار التى كنت أعتقد إنها تتحدث عنها على سبيل السخرية من المصابين بالهسهس، فإذ بها الهسهس نفسه.

المسألة لم تعد تحديث خطاب دينى، أو حث القائمين على الأمر لتطهير الخطاب مما لحق به من هلا��س تدفع دفعًا إلى القاع. علينا أن نسلم بأن ما جرى فى مصر ليس بسيطًا أو هينًا، وأن «طناش» تطهير الخطاب إنما ينذر بخطر داهم، وإن ترك الأمر لفريقى «الناجون من الهسهس» و«المصابون» به ليضربوا فى بعضهم البعض، فإن الضرب سيكون للركب.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناجون من الهسهس والغارقون فيه الناجون من الهسهس والغارقون فيه



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon