بقلم - أمينة خيري
ومازالت هذه الأيام تذكرنا بما جرى قبل عشر سنوات. ومازال عبق يونيو ويوليو يستحق البحث التاريخى والفهم الاجتماعى والتحليل السياسى. فى مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، نزلت الملايين إلى الشوارع لا بحثا عن عيش أو أملا فى حرية أو حلما لعدالة اجتماعية، بل بدا جميعها ضربا من الرفاهية. نزلوا بحثا عن البقاء. بقاء مصر بهويتها، وبقاء المصريين على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم على ثقافتهم الخاصة، وبقاء مصر كدولة. مازلت أتذكر صوت صديقتى فى عام 2012 وهى تؤنبنى على اعتراضى وذعرى وغضبى على الإخوان كجماعة حاكمة لمصر. وجهة نظرها التى قالتها هو إن الإخوان إن حكموا مصر وأثبتوا فشلهم أو تحيزهم لبنى جلدتهم أو حاولوا أن يغيروا هوية الدولة والشعب إلى هوية دينية «سنغيرهم فى الانتخابات المقبلة». قلت لها إن الجماعات التى تحكم باسم الدين غير قابلة للتغيير بالانتخابات، وإن الديكتاتورية لديها ليست سياسية بل هى حكم باسم الدين والدين غير قابل لأن يعترض عليه أحد وإلا يكون المعترض كافرا وزنديقا ويستحق الرجم والشنق. وجرى ما جرى، وبذلت الجماعة كل الغالى والنفيس لتغير مصر الدولة والشعب إلى «دولة الجماعة». نجحنا فى التخلص من الجماعة المجرمة قبل عشر سنوات بفضل إفاقة الكثيرين من وهم وخيال وغيبوبة «الناس بتوع ربنا»، وقرار الجيش الانحياز للإرادة الشعبية.
وأكرر أن ما جرى فى مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات لم يكن نهاية الطريق بل بدايته الصعبة الطويلة. وشاءت الأقدار أن تكون السنوات العشر الماضية معبأة ومتخمة بأحداث وحوادث جسام، من مقاومة الجماعة وأذنابها للإرادة الشعبية، وتواتر الأحداث الكبرى من فيروس ألمّ بالعالم كله وألحق الضرر الكبير بالجميع، وحرب روسيا فى أوكرانيا، وأخيرا التأكد من استمرار جهود إفشال دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، والسودان أحدث نموذج. كما أن السنوات العشر الماضية كانت سنوات كاشفة دالة. فإزاحة الإخوان من الحكم لا تعنى إزاحة خلطة الدين بالسياسة الجهنمية أو تطهير العقول منها، فهيمنة نسخة التدين الهجينة الدخيلة على الأدمغة المصرية منذ السبعينيات طاغية وواضحة وضوح الشمس، والإصرار على الزج بالدين «الشعبى» فى القانون والتعليم وهيئة النقل العام والمصالح الحكومية وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية واضح وضوح الشمس. وأبناء عموم الجماعة موجودون من حولنا فى كل مكان. والمطلوب ليس حلولا أمنية، بل تطهير أدمغة وتنظيف عقول، وهو ما لم يحدث بعد. تطورت دول من حولنا وخلعت رداء التشدد والتطرف والانغلاق، أما نحن فيبدو أننا فعليا اخترنا الرداء عن حب! أخيرا، وليس آخرا، قائمة الواجبات التى علينا إنجازها طويلة، ولا تقتصر على البنى التحتية الرائعة التى تم تشييدها. طريق إعادة بناء مصر ملىء بضرورات ومتطلبات الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والفكرى والتعليمى والسلوكى والأخلاقى، وإلا لن نكون جديرين بما لدينا من بنى تحتية