توقيت القاهرة المحلي 10:30:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرقص على القبور

  مصر اليوم -

الرقص على القبور

بقلم - أمينة خيري

«حوادث الطرق».. يبدو العنوان مملاً مسطحاً. هو بلا حياة، لا لأن حوادث الطرق باتت تحصد حياة العشرات على مدار الساعة، بل لأن المصريين اعتادوا هذا الحصاد العزرائيلى اليومى. حتى الكتابة عنها باتت أمرا صعبا. وسر الصعوبة ليس فى إيجاد الجديد أو العثور على الحديث، لكن فى جذب انتباه الأطراف المعنية لما هو مكتوب.

فمن يستيقظ صباح كل يوم على وفاة 15 وإصابة 30 على الدائرى، ويشاهد فى الطريق إلى عمله انقلاب سيارة على يمين الطريق ووقوع مركبة من أعلى الكوبرى ودهس بضعة مواطنين على الطريق السريع، ويسمع عن قريب أصيب إصابة بالغة وصديقة رحلت عن عالمنا وأسرة جار راحت ضحية مقطورة- يتعامل مع حوادث الطرق باعتبارها تفصيلة بديهية من تفاصيل الحياة اليومية.

الحياة اليومية على الطرق فى مصر أصبحت تشع برائحة الموت مع كل خطوة. وحين يتضامن غياب تطبيق القانون مع غيبوبة السلوك والأخلاق فى بحر من العشوائية والفوضى، حيث الحمير جنباً إلى جنب مع السيارات فائقة السرعة وكلتاهما تتناحر مع ثعابين «التوك توك» والسوزوكى الأجرة المرخصة ملاكى فى منظومة قبيحة لا تتوقف على مدار اليوم.

وفى كل يوم يركض الشريط الخبرى على شاشاتنا ناقلاً الحصاد المعتاد للقتلى والمصابين على الطريق الدائرى والسويس والإسماعيلية والمنيا وأسيوط وأسوان والقائمة طويلة جداً. وبين الحين والآخر نطالع خبراً عن قانون مرور يجرى إعداده، أو تلويحاً بتطبيق قريب لقواعد صارمة لضبط الشارع، أو ظهور مشرف لمتحدث باسم الداخلية يهيب خلاله بالمواطنين الالتزام بقواعد السير.

لكن قواعد السير المضروب بها عرض  الحائط منذ سنوات، والتى تفاقمت حدة ضربها على مدار الأشهر القليلة الماضية، تحصد فى العام الواحد نحو 12 ألف روح على الطريق (بحسب منظمة الصحة العالمية). وهناك ما لا يقل عن 19 ألف إصابة. بعضها يسبب إعاقات مدى الحياة. وبالإضافة إلى عنصر القضاء والقدر الذى يسلم به الجميع، فإن العامل البشرى يتحمل ما يزيد على 72 % من أسباب وقوع آلاف القتلى والإصابات.

العامل البشرى ينقسم إلى ثلاثة أقسام لا رابع لها: الأول السائق المجنون أو المهبوش أو الذى لا يفقه قواعد القيادة أو الذى يعتقد أن القيادة قوامها الفهلوة وإطارها قلة الذوق وشعارها «قاتل أو مقتول». أما الثانى، فهو المارة الذين يجدون أنفسهم فى صراع محتوم مع المركبات المجنونة، سواء لغياب إشارات المرور أو اختفاء الأرصفة، ومن ثم النتيجة الحتمية، حيث الالتحام الشخصى مع السيارات فى ملحمة دموية. ويتلخص الثالث فيمن يفترض أن يطبق القانون، بدءاً بإصدار رخص القيادة لمن يثبت بالحجة والبرهان والامتحان العملية والشفهى أنه متمكن تماما من القيادة وقواعدها، حيث إن من يحصل على الرخصة وهو غير مؤهل للقيادة هو مشروع  قاتل، مرورا بضابط الشرطة وأمينها فى إدارة المرور اللذين لا يقومان بعملهما فى الشارع، حيث تجاهل تام لسيارات بدون لوحات أرقام وتكاتك بدون كيان رسمى وباصات نقل عام بدون أدمغة بشرية، وانتهاء بتهاون الحكومة فى حق المواطنين، حيث رادارات غائبة لمراقبة السرعات وإشارات مرور معطلة أغلب الأوقات، وسكوت مزرٍ عن حق المصريين فى النجاة من إرهاب الطرق.

إرهاب الطرق فى مصر مصدر بؤس لملايين المصريين، حيث الغالبية العظمى من المواطنين لديها عزيز مات أو أصيب فى حادث سير. لكن مصدر البؤس الأكبر هو أن ملايين من المصريين تعتقد أن ما يجرى فى الشوارع من حرب ضروس وتناحر غير مدروس هو الطبيعى فى قيادة المركبات. كثيرون يعتقدون أن السيارات فى دول العالم تسير هكذا، وأن الموت على الطريق هو قضاء وقدر فقط لا غير. والأدهى من ذلك أن من بين المنوط بهم تطبيق القانون ومراقبة الطريق ومحاسبة المخطئ من يضربون بقواعد السير عرض  الحائط، فباتت سمة أهل البيت الرقص على قبور بعضهم البعض.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرقص على القبور الرقص على القبور



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon