بقلم - أمينة خيري
دق مقال «عقيدة الأشجار» أوتار عديدة لدى القراء. صديقة عزيزة فضّلت ألا أذكر اسمها. قالت إنها باتت على قناعة بأن بين المصريين والأشجار عداوة ما أو «ثأر بايت». تقول إن المسألة ليست مجرد «أنيميا» فى مفاهيم الجمال المتعلقة بالطبيعة وقلة وعى بأهمية المساحات الخضراء، ليس فقط كعنصر جمالى، ولكن لعدم معرفة قاعدة قوامها: أن تنفس الأشجار يساعد على تنفسنا ويضمنه، فهى تمتص ثانى أكسيد الكربون، أحد الغازات الدفيئة التى تتسبب فى الاحتباس الحرارى وتنتج الأكسجين. هذه المعلومات التى لابد أن يكون كل طالب وطالبة فى جمهورية مصر العربية قد درسها لا يبدو أنها حاضرة. فمشهد شجرة «بتطلع فى الروح» من شدة الظمأ والإهمال قلما يستوقف أحدًا. وهذا يعنى أن جانبًا على الأقل مما ندرسه فى المدارس لا يكتفى بمرور الكرام، بل أحيانًا لا يمر من الأصل. ولو مرَّ، لتألم أو غضب أو اكتأبَ أو حزنَ أو تأثرَ كل من شارك أو شاهد أو سمع أو قرأ عن مجازر الأشجار.
انتهى كلام الصديقة.. والحقيقة أننى لا أختلف معها، بل أزيد من الشعر بيتًا بالإشارة إلى تلك الأشجار والمزروعات التى يتم دسها - ولا أقول غرسها أو زرعها- على بعض الطرق الصحراوية، ثم ما هى إلا أيام قليلة حتى تتحول إلى هشيم. فلا مصدر رىّ دائما متاح لها، ولا من قرر دسها فى هذا المكان درس مدى مناسبتها للتربة الصحراوية أو سبل إبقائها على قيد الحياة.
القارئ العزيز أستاذ وجيه ندا يرى أن مكانة الأشجار المتدنية فى حياتنا تعكس جانبًا بسيطًا مما أصاب الشخصية المصرية من ضرر واعتلال نتيجة تجريف طالها منذ السبعينيات. هذا التجريف أتى على الذوق العام فى الفن والأخلاق وكذلك الفن المعمارى. يقول إن الخرسانة طغت كما طغت الغوغائية والصوت العالى والبلطجة والتى يتعرض لها كل منا منذ أن يغادر بيته وحتى يعود سالمًا إليه.
إصلاح الأخطاء الجسيمة فى المجتمع يمر من قنوات عدة. بالطبع هناك قناة القانون التى تضمن تطبيقًا آنيًا لما ينبغى أن يكون عبر عقاب من يخطئ أو ينتهك أو يشوّه.. لكن القانون وحده لا يكفى. فليس هناك قانون يعاقب شخصًا لأنه يكره الشجرة، أو لأن الشجرة لا تمثل له شيئًا. كما أن دخول الشجرة فى منافسة مع كتل خرسانية بات الناس يعشقونها سيظلمها ويطيح بها أرضًا. وليس خفيًا على أحد «البعد الطبقى» الذى اكتسبه حراك الباكين على أشجار الزمالك ومصر الجديدة وغيرهما من الأحياء التى تم قطعها بها، ما ساهم فى تغيير طابع هذه الأحياء، رغم أنه كان فى الإمكان المضى قدمًا فى حركة بناء الطرق والكبارى دون تصحير المدينة. هؤلاء يتم نعتهم بـ«الطبقة المخملية» البعيدة عن الواقع، رغم أن الواقع إن خلا من الأشجار بات كابوسًا.