بقلم - أمينة خيري
«فاتن أمل حربى» عمل درامى مختلف. وكما أن «الاختيار 3» عمل درامى مختلف، حيث يمزج التمثيل بالتوثيق، فإن «فاتن أمل حربى» يخلط التمثيل بمآس حقيقية، يعلم كل مصرى ومصرية إنها حقيقة واقعة اسمها مفهوم «الدكر»- أو البعض منهم- عن الرجولة ودوره في الأسرة ومكونات المكانة التي يصنعها لنفسه إن كانت قائمة عن كونه «دكرا» فقط، أم أنها تقوم على أفعال وتصرفات وواجبات ومسؤوليات وأخلاق وسلوكيات. لكن «فاتن أمل حربى» لم يخلط فقط بين التمثيل والمآسى الحقيقية التي تعيشها نساء كثيرات بسبب «دكر» أخطأت رجولته الطريق، لكنه عكس مزجا وخلطا كبيرين في المجتمع. فمن يكره المؤلف إبراهيم عيسى هاجم المسلسل من بابه. ومن يعتبر المرأة كائنا تابعا عليه ابتلاع وهضم إساءات الزوج مهما كانت مسيئة أو مثيرة للقرف أو مدعاة للانتحار لأن «الست العاقلة تعمل كده»، فقد نصب نفسه مدافعا عن كيان الأسرة.
ومن يعتبر رجال الدين كائنات نورانية تتمتع بقدسية، فسيعتبر دور رجل الدين في المسلسل إهانة لا تجوز في مجتمع شديد «التدين». والإهانة في المطلق لا تجوز، لكن ما يجوز هو النقاش وتشجيع إعمال العقل المتعطل منذ 50 عاما. وحين يتعرض عمل درامى لشخصية رجل دين ويقدم ما آل إليه البعض منهم من تضييق على الناس في التفسير وانغلاق في الرؤية واحتكار للمعتقد أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم من من مجتمع عالق بين دولة مدنية يرفضها ودولة دينية يتعلق بتلابيبها، فهذا انتقاد، وليس إهانة أو سخرية. وربما يتناول العمل رجل الدين بقليل من الدعابة مثل أدوار لعبها الراحل العظيم عبدالمنعم إبراهيم مثلا لرجل دين، وهى الأدوار التي لم تهدم الدين أو تحمل عداءً للمتدينين أو تهين رجال الدين. وقتها لم يكن الهسهس قد ضربنا بعد، ولم يكن كثيرون قد نصبوا أنفسهم أعضاء مزمنين في هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أخشى أن تتكرر محاولات إضفاء هالة من القدسية على رجال الدين، كما فعلنا خلال النصف قرن الماضى، وهو ما نجم عنه تقديس لتفسيراتهم وفتاواهم التي ساهم الكثير منها في إدخالنا في نفق التطرف شديد الإظلام.
وتحول الأمر إلى درجة اعتبار مناقشة أفكارهم المتحكمة في عقول الملايين اليوم ضربا من المساس بالقرآن نفسه. غاية القول هو أن العمل الدرامى الذي يدعونا إلى مراجعة الأفكار بالتفكير والنقاش والبحث والقراءة هو عمل هادف. وإن تسبب عمل درامى، يدعو إلى تفكير أو مراجعة، في حالة من الغضب العارم أو الهبد الصارخ أو الرزع الدامى، فإن هذا يعنى أنه أثار حفيظة كل من يخشى من التفكير وإعمال العقل. نعم، إعمال العقل يرعب البعض. الدعوة إلى التفكير ليست تنمرا، بل تحريم التفكير تنمر بالعقل وصاحبه.