بقلم - أمينة خيري
ضحايا؟ نعم. من حقهم حياة كريمة وحلم بمستقبل؟ بكل تأكيد. ما قاموا به من تهريب ولو كمية صغيرة وبضاعة لا ضرر منها اضطرار لأن لا سبيل لهم إلا ذلك؟ لا، وألف لا. نتعاطف معهم؟ نعم. لماذا؟ لأنهم خرجوا إلى الدنيا فى غفلة من الزمن وباعتبارهم رأس مال يمكن تشغيله فى السوق وليس باعتبارهم أبناء يتلقون رعاية وتعليما وتنشئة وتربية.
وماذا عن كونهم مجرد مهربين صغار لا حول لهم أو قوة، بينما هناك مهربون كبار جدًا لهم كل الحول ومزيد من القوة؟ طيب «هى جت عليهم يعنى؟» حين نتحول إلى دولة العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية ونمنع المهربين والفاسدين الإكس لارج، يحق لنا وقتها فقط أن نحاسب أولئك الصبية!! وحين نهدم أسوار الكومباوندات ليختلط من يملك بمن لا يملك، ونفتح بوابات المنتجعات السياحية ليدخل إلى الشاطئ من دفع ومن لم يدفع، وترعى الدولة الأسر كبيرة العدد متواضعة الإمكانات أو معدومتها وتضمن لأبنائها وبناتها الخمسة والستة والسبعة والثمانية تعليمًا مجانيًا ممتازًا، وعلاجًا صحيًا إنسانيًا، وسكنًا آدميًا محترمًا، ووسائل ترفيه معقولة مضمونة يمكننا حينئذ فقط أن نعاقب أولئك الصبية على ما اقترفوا من تهريب.
فيديو المهربين الصغار الضحايا / الخارجين على القانون والمذيعة العجيبة الغريبة المريبة، صار حديث القاصى والدانى. وبين مندد بالوطن الظالم والقانون الغاشم والشعب القاسى الذين يتعاملون مع الصبية المهربين باعتبارهم مجرمين، رغم أنهم غلابة مساكين، وفى الوقت نفسه «رجالة» ينفقون على الأمهات والأخوات البنات بعرق جبين التهريب.
فجأة ودون سابق إنذار، تحول التهريب من جريمة يعاقب عليها القانون إلى «حاجة بسيطة» و«مش مشكلة»، تارة بحجة أن المهربين الكبار يعيثون فى بورسعيد فسادًا، فـ«إيه المشكلة يعنى لما شوية عيال غلابة تهرّب حتتين هدوم؟!» و«رايحة بينا على فين يا مصر لما الغلبان فيكى يبقى حرامى والحرامى يبقى رجل أعمال؟!» إلى آخر قصيدة «الغلابة من حقهم يبقوا ديابة» و«ما قدرتوش غير على المسكين!» إلخ إلخ.
إصرارنا على خلط كل ما هو غير قابل للاختلاط يكاد أن يعصف بنا. فأن يمضى المهربون الكبار دون عقاب أو حساب لا يعنى أن تُطلق أيادى المهربين الصغار. وأن يقول أحدهم «إنت ماحساش بالناس» لا يعنى بالضرورة أن على الناس أن تسجد للخارجين على القانون لأنهم غلابة ومساكين. وأن تطالب بعقاب المهربين - الكبير منهم والصغير- لا يعنى أنك دون إحساس أو عديم التعاطف. وأن تطالب بتوعية الجميع مع التلويح بتخفيف الدعم عن الأسر التى تنجب دون حساب لا يعنى أنك تتدخل فى قرارات الناس الشخصية، لكن يعنى أنك تتدخل لحماية المواطنين الجدد الذين يأتون إلى الدنيا ليبقوا على راية الفقر خفاقة عالية.
وأن تدعو إلى وضع خط فاصل بين التعاطف والتكافل والتراحم من جهة وبين فتح أبواب الخروج على القانون باعتباره وسيلة مشروعة للإنفاق على الأسر الفقيرة، لا يعنى أنك «مش حاسس بالناس».
الإحساس بالناس الذى كثيرًا ما يقف عائقًا أمام تطبيق القانون - الذى هو أصلاً فى غيبوبة منذ سنوات- يتجلى فى هذا العديد من المشاهد العبثية التى نعايشها يوميًا دون أن نتوقف عندها. فمثلاً حين يشكو الجميع ويئنون من فيروس «التوك توك» القاتل بين عدم ترخيص وقيادة أطفال له وانتشاره بشكل حوّل كل مصر إلى عشوائية كبرى، ناهيك عن الحوادث الناجمة عنه وتفضيل الصغار له بديلاً عن تعلم حرفة أو الالتحاق بالمدرسة أو «إهدار الوقت فى التدريب على صنعة لها أصول»، ثم يتجمع نفس الشاكين حول أمين الشرطة أو الضابط حين يصادر «التوك توك» الخارج على القانون، يترجونه أن يترك الطفل السائق يمضى ويطالبونه بالرأفة لأنه «غلبان» ويتمتمون بعبارات تتطابق وتلك التى تمتم بها الملايين فى واقعة المهربين الصغار. «هى جت على الغلبان ده يعنى؟» «حرام عليكم. تلاقيه بيصرف على أمه وإخواته العشرة» «مش أحسن ما يسرق يعني» وهلم جرا.
وكل ما سبق لا ينفى أن المهربين الصغار وسائقى «التوك توك» والباعة الجائلين والسياس والمتسولين وغيرهم ضحايا عقود من التهميش وضرب الأمور تضرب تقلب. فلا تعليم، أو توعية، أو ثواب، أو عقاب طالما من يجلس على الكرسى يبقى ملصقًا به.
وكل ما سبق كذلك لا يعنى أن نترك الكبار ينهبون ونتعقب الصغار. كل ما سبق يعنى أننا لو أردنا أن تستقيم الأمور فعلينا التوقف التام عن خلط الأمور بعضها ببعض. فإما نريد دولة قانون، أو نريد دولة نصفها قانون ونصفها بزرميط، أو لا نريد دولة من الأصل. ويبقى الاختيار لنا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع