توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المهربون الصغار «الغلابة»

  مصر اليوم -

المهربون الصغار «الغلابة»

بقلم - أمينة خيري

ضحايا؟ نعم. من حقهم حياة كريمة وحلم بمستقبل؟ بكل تأكيد. ما قاموا به من تهريب ولو كمية صغيرة وبضاعة لا ضرر منها اضطرار لأن لا سبيل لهم إلا ذلك؟ لا، وألف لا. نتعاطف معهم؟ نعم. لماذا؟ لأنهم خرجوا إلى الدنيا فى غفلة من الزمن وباعتبارهم رأس مال يمكن تشغيله فى السوق وليس باعتبارهم أبناء يتلقون رعاية وتعليما وتنشئة وتربية.

وماذا عن كونهم مجرد مهربين صغار لا حول لهم أو قوة، بينما هناك مهربون كبار جدًا لهم كل الحول ومزيد من القوة؟ طيب «هى جت عليهم يعنى؟» حين نتحول إلى دولة العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية ونمنع المهربين والفاسدين الإكس لارج، يحق لنا وقتها فقط أن نحاسب أولئك الصبية!! وحين نهدم أسوار الكومباوندات ليختلط من يملك بمن لا يملك، ونفتح بوابات المنتجعات السياحية ليدخل إلى الشاطئ من دفع ومن لم يدفع، وترعى الدولة الأسر كبيرة العدد متواضعة الإمكانات أو معدومتها وتضمن لأبنائها وبناتها الخمسة والستة والسبعة والثمانية تعليمًا مجانيًا ممتازًا، وعلاجًا صحيًا إنسانيًا، وسكنًا آدميًا محترمًا، ووسائل ترفيه معقولة مضمونة يمكننا حينئذ فقط أن نعاقب أولئك الصبية على ما اقترفوا من تهريب.

فيديو المهربين الصغار الضحايا / الخارجين على القانون والمذيعة العجيبة الغريبة المريبة، صار حديث القاصى والدانى. وبين مندد بالوطن الظالم والقانون الغاشم والشعب القاسى الذين يتعاملون مع الصبية المهربين باعتبارهم مجرمين، رغم أنهم غلابة مساكين، وفى الوقت نفسه «رجالة» ينفقون على الأمهات والأخوات البنات بعرق جبين التهريب.

فجأة ودون سابق إنذار، تحول التهريب من جريمة يعاقب عليها القانون إلى «حاجة بسيطة» و«مش مشكلة»، تارة بحجة أن المهربين الكبار يعيثون فى بورسعيد فسادًا، فـ«إيه المشكلة يعنى لما شوية عيال غلابة تهرّب حتتين هدوم؟!» و«رايحة بينا على فين يا مصر لما الغلبان فيكى يبقى حرامى والحرامى يبقى رجل أعمال؟!» إلى آخر قصيدة «الغلابة من حقهم يبقوا ديابة» و«ما قدرتوش غير على المسكين!» إلخ إلخ.

إصرارنا على خلط كل ما هو غير قابل للاختلاط يكاد أن يعصف بنا. فأن يمضى المهربون الكبار دون عقاب أو حساب لا يعنى أن تُطلق أيادى المهربين الصغار. وأن يقول أحدهم «إنت ماحساش بالناس» لا يعنى بالضرورة أن على الناس أن تسجد للخارجين على القانون لأنهم غلابة ومساكين. وأن تطالب بعقاب المهربين - الكبير منهم والصغير- لا يعنى أنك دون إحساس أو عديم التعاطف. وأن تطالب بتوعية الجميع مع التلويح بتخفيف الدعم عن الأسر التى تنجب دون حساب لا يعنى أنك تتدخل فى قرارات الناس الشخصية، لكن يعنى أنك تتدخل لحماية المواطنين الجدد الذين يأتون إلى الدنيا ليبقوا على راية الفقر خفاقة عالية.

وأن تدعو إلى وضع خط فاصل بين التعاطف والتكافل والتراحم من جهة وبين فتح أبواب الخروج على القانون باعتباره وسيلة مشروعة للإنفاق على الأسر الفقيرة، لا يعنى أنك «مش حاسس بالناس».

الإحساس بالناس الذى كثيرًا ما يقف عائقًا أمام تطبيق القانون - الذى هو أصلاً فى غيبوبة منذ سنوات- يتجلى فى هذا العديد من المشاهد العبثية التى نعايشها يوميًا دون أن نتوقف عندها. فمثلاً حين يشكو الجميع ويئنون من فيروس «التوك توك» القاتل بين عدم ترخيص وقيادة أطفال له وانتشاره بشكل حوّل كل مصر إلى عشوائية كبرى، ناهيك عن الحوادث الناجمة عنه وتفضيل الصغار له بديلاً عن تعلم حرفة أو الالتحاق بالمدرسة أو «إهدار الوقت فى التدريب على صنعة لها أصول»، ثم يتجمع نفس الشاكين حول أمين الشرطة أو الضابط حين يصادر «التوك توك» الخارج على القانون، يترجونه أن يترك الطفل السائق يمضى ويطالبونه بالرأفة لأنه «غلبان» ويتمتمون بعبارات تتطابق وتلك التى تمتم بها الملايين فى واقعة المهربين الصغار. «هى جت على الغلبان ده يعنى؟» «حرام عليكم. تلاقيه بيصرف على أمه وإخواته العشرة» «مش أحسن ما يسرق يعني» وهلم جرا.

وكل ما سبق لا ينفى أن المهربين الصغار وسائقى «التوك توك» والباعة الجائلين والسياس والمتسولين وغيرهم ضحايا عقود من التهميش وضرب الأمور تضرب تقلب. فلا تعليم، أو توعية، أو ثواب، أو عقاب طالما من يجلس على الكرسى يبقى ملصقًا به.

وكل ما سبق كذلك لا يعنى أن نترك الكبار ينهبون ونتعقب الصغار. كل ما سبق يعنى أننا لو أردنا أن تستقيم الأمور فعلينا التوقف التام عن خلط الأمور بعضها ببعض. فإما نريد دولة قانون، أو نريد دولة نصفها قانون ونصفها بزرميط، أو لا نريد دولة من الأصل. ويبقى الاختيار لنا.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المهربون الصغار «الغلابة» المهربون الصغار «الغلابة»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon