بقلم : أمينة خيري
بعيدًا عن توزيع صكوك الرحمة، وتحديد قواعد الشماتة، وتصنيف البشر بحسب رد الفعل تجاه وفاة الرئيس المعزول محمد مرسى، وإعادة النظر فى قوائم الأصدقاء والصديقات على مواقع التواصل الاجتماعى حيث من ترحم على الرجل نصيبه إلغاء الصداقة، ومن شمت فهو من الأحباب والمقربين، أو العكس، بعيدًا عن كل ما سبق، فإن وفاة الراحل محمد مرسى ألقت ضوءًا وضاحًا على كم رهيب من نقص المعرفة وادعائها وترويجها، وهذا لو تعلمون رهيب.
فبين مؤكد بأن السلطات قتلته دون أدنى شك، وجازم بأن الرجل سٌلِب حق الرعاية الصحية دون أدنى ريب، ومروج بأنه دفن فى مدافن الصدقة كنوع من التحقير له من قبل الدولة، ومشدد على أنه طالبت «منظمة العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش» وغيرهما من المنظمات الحقوقية بإجراء تحقيقات سريعة فى وفاة الرجل، فإن هذا يعنى، دون أدنى مجال للشك، أنه قٌتِل، يشعر المتابع الذى يحاول قدر الإمكان أن يتجرد من انتماءاته الأيديولوجية ومعتقداته السياسية أن هؤلاء المشككين كانوا يقيمون مع الرجل فى زنزانته أو على أقل تقدير يتلقون تقارير يومية من مسؤولى السجن حول حالته ونوعية الرعاية الصحية التى يتلقاها.
التلقى المبدئى لخبر وفاة الدكتور محمد مرسى جعل البعض يتنفس الصعداء بأن وفاته فى قاعة المحكمة أمام الحاضرين ستغلق باب النواح الإخوانى وصعبانيات الإسلام السياسى والندب الحقوقى الموجه تجاه كل شهيق وزفير فى مصر، فما بالك بـ«أول رئيس مدنى دينى منتخب بالتجييش وعصر الليمون أتت به صناديق الشاى والزيت والسكر والتلويح بورقة النار والجنة»؟!
لكن ما حدث كان العكس. أخرجت قنوات الإخوان واللى مش إخوان لكن تحبها وتتعاطف معها سكريبت «قتلوه» و«عذبوه» و«قهروه»... إلخ إلخ. وهرع إلى تقديم العزاء لـ«أحرار العالم» و«مناضليه» كل مسؤول أو قيادى أو متعاطف إخوانى على وجه المعمورة. وانضمت إلى زمرة «أحرار العالم»، مؤسسات العالم الإعلامية التى يروج البعض لأكذوبة قوامها أن القائمين عليها فهموا وأدركوا أن ما جرى فى مصر فى مثل هذه الأيام قبل ست سنوات بالتمام والكمال كان انقلابًا شعبيًا على حكم الدولة الدينية. قد تكون النبرة تغيرت قليلاً فى السنوات القليلة الماضية، واتسع المجال لدى هذه المؤسسات بعض الشىء لتغطية أخبار مصر دون الجملة المزمنة «الانقلاب العسكرى الذى أطاح بأول رئيس مدنى منتخب»، لكن فى أول فرصة ممكنة عادت ريما لعادتها.
وإذا كانت عاداتنا تحتم علينا أن ندلو بدلونا فيما نفقه وما لا نفقه، فإن الاستمرار على هذا النهج فى مسائل كبرى أمر مدمر. من قال لا أعلم فقد أفتى، أو فلنمضى قدمًا فى حرب الـ«بلوك» إلى أن يأذن الله علمًا ومعرفة وقدرة على الحوار رغم الخلاف ودون إقحام الدين أو ادعاء المعرفة.
ملحوظة أخيرة وهى أن إعلامنا أخفق كثيرًا فى تغطية الوفاة وانتقاء العبارات والمفردات وتحليل ردود الفعل، بالإضافة بالطبع للكم الهائل من الصراخ غير المبرر.