بقلم : أمينة خيري
بمناسبة هوجة الثانوية العامة، وفورة مكتب التنسيق، ومولد كليات القمة، وهلع المجاميع، وحراك الجامعات الخاصة والحكومية، ينسى أو يتناسى أو يتجاهل الكثيرون اللغة الإنجليزية. الإنجليزية، شاء مَن شاء وأبَى مَن أبَى، هى اللغة القادرة على فتح باب التوظيف أو إغلاقه بالضبة والمفتاح. صحيح أنها تفتح الباب، وتنتظر أن يستوفى الداخلون متطلبات السوق من معرفة هندسية أو طبية أو محاسبية أو تسويقية أو غيرها، ومعها قدرات الذكاء الاجتماعى والتعامل مع التقنيات الحديثة... إلخ، لكنها تظل الباب الاستراتيجى لعبور سوق العمل. سوق العمل ليست مجرد تخصص يُدرس فى الكليات، أو خبرة عملية يُصقل بها الشاب والشابة، أو فهلوة مصرية أصيلة تتيح لصاحبها أن يفوت فى الحجر اليوم ليصطدم بحائط الكشف عن المعادن الرخيصة غدًا.. وغدًا، الذى بدأ اليوم، نرى ما آل إليه مستوى خريجى الجامعات المصرية الرسمية وبعض الجامعات الخاصة، القائمة على الربح قبل التعليم، فى درجة إتقان اللغة الإنجليزية، من تدهور وتقهقر. ابن صديقة عزيزة اتصل بى طلبًا للمعونة ليلة امتحان الترجمة من العربية للإنجليزية والعكس فى امتحان البكالوريوس فى جامعة خاصة. جاء الشاب النابه ومعه كتاب الترجمة وبعض الملازم المُساعِدة. وبعد دقائق اكتشفت أن ابن صديقتى يكاد لا يقرأ الإنجليزية. الجانب الأكبر من الكلمات يعرفها بالشبه، والباقى يقف أمامها حائرًا متعجبًا. وكان المطلوب أن أساعده على «حفظ» قائمة من الكلمات الدالة حتى يملأ الفراغات فى الامتحان ويحصل على الشهادة العليا. المفاجأة أنه نجح فى كل السنوات السابقة فى اللغة الإنجليزية، بل حصل على الثانوية العامة دون دور ثانٍ أو ثالث!. المفاجأة الكبرى أن صديقتى اتصلت بى بعد أسابيع لتخبرنى أن ابنها النابه خيّب توقعاتى المتشائمة ونجح نجاحًا مبهرًا فى البكالوريوس!. وعلى الجانب الآخر، «عماد»، ابن حارس العمارة، الذى لا يكتب اسمه باللغة العربية، بالكاد نجح هو الآخر فى الحصول على شهادته المتوسطة مجتازًا امتحان اللغة الإنجليزية!. وعلى صعيد آخر، نقابل يوميًا شبابًا وشابات حاصلين على أعلى الدرجات العلمية والدراسية، بينما لغتهم الإنجليزية بالغة التواضع. والمقصود ليس فى النطق أو الحروف الملتبسة لدينا مثل:
«Pb- Vf- Th z|».. فهذه أخف الأضرار، لكن المقصود هو فهم اللغة من الأصل. والمسؤولية بالطبع لا تقع على عاهل الطلاب والطالبات لأن المتنبه فيهم إلى أهمية ومحورية إتقان الإنجليزية فى القرن الـ21، والذى اجتهد لتنمية ما أضاعه نظام التعليم الذى ترهل على مدار عقود طويلة، أقلية. صحيح أن تعلم العربية وإتقانها ضرورة قصوى، فهى اللغة الأم. لكن تعلم الإنجليزية يُبْقِى متعلمها على قيد الحياة العالمية من مصادرها. لم تعد المسألة كوميدية تستحق الضحك، حيث «هاو أولد آر يو؟» تعنى «اسمك إيه؟»، فينفجر الجمهور ضاحكًا، بل أصبحت تراجيدية، حيث ينفجر الجمهور غير فاهم لما يجرى حوله فى الكوكب.