بقلم : أمينة خيري
خذ نفسًا عميقًا، وعد من واحد لعشرة قبل أن تجيش وسائلك الدفاعية، وتستحضر أساليبك الهجومية، وتستشهد بأقوال تم حشوها فى دماغك بينما أنت مستسلم ومصدق أنك بإلغاء خانة التفكير ومحو قيمة النقد والتفنيد أصبحت مؤمنًا درجة أولى وتحولت إلى متدين سوبر لوكس.
بصراحة شديدة، هل تستشعر الحرج وتستحضر كلمات الاستغفار إن طالعتك رموز دينية غير تلك التى ملأت بها الفضاء العام؟ بمعنى آخر، بعد ما غطيت زجاج سيارتك الخلفى بملصقات السيوف وإشهارك الإسلام، وملأت جدران مكتبك وسطحه كل ما يمكن أن يعلن أنك متدين جدًا وقريب إلى الله جدًا جدًا ولا تدين إلا بدين واحد جدًا جدًا جدًا، ولم تر ضررًا من العامل الذى أنهى طلاء أعمدة الكوبرى باللون الأبيض ثم كتب عليه باللون الأسود والبنط العريض «صلى على النبى»، ودافعت دفاعًا شرسًا عن جارك الذى يصطحب معه قلم «ماركر» ليكتب على جدار المصعد «الله أكبر» «سبحان الله» و«هل صليت على النبى اليوم؟»، لعد كل ما سبق، هل يضايقك ملامح مشهد مشابه ولكن لدين آخر؟ هل تغضبك هذه الملامح؟ هل تشعر أنك مهدد حين يطالعك أحدهم بوشم مدقوق يخالف ما تؤمن به؟ أو بتلاوة لكلمات لم ترد فى كتابك؟ أو اسم يطلقه على أبنائه خارج منظومة «البراء» و«معاذ» و«صهيب» و«وقاص»؟
هل تشعر أن الحياة كانت ستكون أفضل كثيرًا لو أن محيطك كان أحادى المكونات لا مجال فيه للاختلاف أو التنوع أو التعدد؟ والتعدد بالمناسبة هنا لا يعنى تعدد الزوجات الذى تحبه وتهفو إليه، لكنه تعدد الانتماءات والمعتقدات والتوجهات والأشكال؟ هل ترى أن من يحييك بـ«صباح الخير» و«مسائه» هو تارك لجزء من دينه ومبتعد عن ملته؟ هل أفهمك أحدهم أنك حين ترد عليه بلهجة غاضبة منذرة مهددة «وعليك السلام ورحمة الله» تهذبه وتعيده إلى طريق الصواب؟
هل يعكنن عليك وربما يغضبك ولو أتيحت لك فرصة الاعتراض تعترض وتتظاهر وتهتف غاضبًا «لا لا» إن تحول اسم مدرسة ابنك من «المكارم الإسلامية» إلى «المكارم المسيحية» مثلاً؟ ولو كانت الإجابة بـ«نعم»، هل صارحت نفسك بالأسباب الحقيقية التى تغضبك وتوترك؟ هل حشا أحدهم دماغك بهذا الهراء؟ هل ضغط أحدهم زرًا ألغى معه قدرتك على التفكير والتفنيد؟ ولماذا استسلمت؟ هل لأن أحدهم هذا أقنعك أنك بهذا تضمن طريقًا إلى الجنة؟ أو تنصر دينًا؟ أو تنتصر للحق؟ ألم يطرأ إلى بالك أن أحدهم هذا لديه قدرات عقلية كقدراتك وملكات فكرية كملكاتك؟ ألم يقل لك أحدهم إن دينك لا كهنوت فيه؟ ولا وسيط فيه بينك وبين خالقك؟ إذن لماذا قدست أحدهم واعتبرته قديسًا لا يٌمس وكهنوتًا لا يساءل أو يعارض أو يٌنتقد؟
لماذا ارتضيت لنفسك هذا الوضع البائس؟ العقل المسلوب قد يريح صاحبه لأنه يعلق أخطاءه وسقطاته وتفاصيل حياته ونتائج قراراته على غيره؟ لكنه يضعه فى مكانة أدنى بكثير من تلك التى أرادها له خالقه. فكروا تصحوا.