توقيت القاهرة المحلي 11:02:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«إياكش تولع»: رسالة إعلانية

  مصر اليوم -

«إياكش تولع» رسالة إعلانية

بقلم : أمينة خيري

بينما نحن نئن ونشكو مما آلت إليه أخلاقنا، ومما أصبحت عليه سلوكياتنا من افتقاد للكثير من بديهيات الذوق وأبجديات التربية، ونضرب أخماساً فى أسداس حول سبل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة زرع ما يمكن زرعه، إذ بموجة رمضانية إعلانية تقول لنا بالفم المليان: «نحو مزيد من التدهور».

تدهور الذوق العام ظاهرة ليست جديدة، وتكفى نظرة سريعة إلى شكل عماراتنا -بما فيها تلك الأنيقة الفارهة التى يتعدى سعر الشقة السكنية فيها بضعة ملايين- لنرى مظاهر الذوق العجيب. أعمدة يونانية مع مسلات فرعونية ونقوش إسلامية ولا يخلو الأمر من بضعة رسوم من عصر النهضة وما تيسر من أسُود وسباع على المدخل الرخامى، وبجعات وطائر فلامنجو مع بعض اللقلق على الواجهة. وتكون النتيجة مسخاً معمارياً بطعم كريه ولون قبيح ورائحة تنم عن ضياع هوية ومفاخرة بالأموال المجنية حديثاً دون أصول ثقافية أو ميول جمالية.

وتوقع أن تنتمى العمارات المبنية فى الشارع الواحد لطراز معمارى متشابه ولا أقول متطابقاً، فهو أمر فيه استحالة. لماذا؟ لأن مالك العمارة حر فيما يملك، وعلى المتضرر أو المعارض أو المطالب بنسق متناغم ضرب رأسه فى أقرب حائط.

«أنا ومن بعدى الطوفان».. فكرة المصلحة العامة أو الذوق العام أو مراعاة حقوق الآخرين ورغباتهم وممتلكاتهم ليست شحيحة، بل منعدمة.

وانعدام قواعد الذوق العام فى إعلان أو إعلانات تذاع عشرات المرات أثناء ساعات الليل والنهار على شاشات التليفزيون الذى لا يخلو منه بيت مصرى فى ربوع المحروسة أمر مزعج وسخيف. لكنه ينتقل من الإزعاج إلى الخطورة، ويتطور من السخافة إلى الرعونة حين يبث الإعلان سموماً مجتمعية (ولدينا اكتفاء ذاتى منها)، وينشر المزيد من معانى الأنانية والتبلد.

ولأن خفة الظل والقدرة على التنكيت أشبه بالتوابل الحريفة التى تنثر على الكبدة الملوثة حتى تتبدد آثار التلوث ولا تشعر إلا برائحة زكية شهية تدغدغ عصافير البطن، فإن «طمأنة» المشاهد الذى هو عميل محتمل بأنه طالما السيارة ليست سيارته، فإن تحطيمها بشومة، أو تهشيمها إنما هى أمور تافهة لا تستحق القلق أو تستوجب الخوف أو حتى تستدعى الانزعاج.

حتى الانزعاج الذى قد ينتج لدى البعض -وأنا منهم- جراء مشهد تحطيم سيارة، أو سقوط شخص على سقف سيارة، فإنه يتضاءل ويتقزم ويتبخر أمام الكوميديا المحبوكة بشكل جيد.

وبعد تبخر الكوميديا وانقشاع المنتج أو الخدمة المراد تسويقهما فى الإعلان، تبقى الرسالة الاجتماعية والقيمة الأخلاقية باقية عالقة محشورة: طالما الضرر وقع على غير ممتلكاتك، وفى خارج إطار بيتك، وفيما هو لا يتصل اتصالاً مباشراً بمالك، فـ«طز».

وكنت قد قرأت تصريحاً قبل سنوات لأستاذنا الدكتور صفوت العالم الأستاذ فى كلية الإعلام جامعة القاهرة يقول فيه إن الشكل العام للإعلانات حالياً يفتقد الأبعاد الجمالية التى تنمى الذوق العام وترفع مستوى الوعى، وهو ما يؤثر سلباً على المتلقى، لا سيما الأطفال وصغار السن. وإذا كان أستاذنا دكتور صفوت العالم يتحدث حينئذ عن الكلمات الفجة والعبارات الجنسية الصريحة والمشاهد المتخمة بالعنف والجنس وغيرها، فماذا عن المحتوى الناعم الذى يقدم لك قيمة الأنانية فى كبسولة، وضرب مبدأ المصلحة العامة فى مقتل؟ وماذا عن تشبع البعض -وهم متخمون أصلاً- بقيم الأنانية والعشوائية والفوضى؟ وماذا عن الإمعان فى رفع شعار «إياكش تولع»؟!

وسؤال إلى المجلس الأعلى للإعلام وغيره من الجهات المختصة: هل يمكن ترك الرسائل التى يتم بثها عبر الإعلانات تمر دون تدقيق؟ ولا أتحدث عن رقابة أو فرض هيمنة أو بسط سيطرة. أتحدث عن معايير تُحترم أو تُخترق فى الإعلانات. أتحدث عن قواعد مهنية وأكواد أخلاقية للإعلانات موجودة فى ربوع العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه. الترويج سواء مباشراً أو غير مباشر للعنف أو الفتنة أو التنمر أو التنميط، أو إشاعة الارتباك أو الخلل أو الاضطراب فى المجتمع سواء بالفعل أو القول جميعها أمور تخضع لمعايير حسابية دقيقة.

صحيح أن البعض هنا قد يتخوف من إساءة استخدام مثل هذه المعايير لخنق أفكار الإعلانات أو الكبس على أنفاس المعلنين لأغراض سياسية أو اقتصادية أو ما شابه، لكن المعايير شأنها شأن القوانين حين توضع بعناية وتطبق بمهنية ودون مراعاة لـ«ابن مين فى مصر» إلخ وتُنزه عن الميول الشخصية تسعد الجميع وتضمن عملية بدء الخروج من النفق الأخلاقى المظلم الذى نغوص فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إياكش تولع» رسالة إعلانية «إياكش تولع» رسالة إعلانية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon