بقلم : أمينة خيري
لا ليست رفاهية أو مثارًا للسخرية. بل الرافضون لها والمقللون من شأنها هم المثيرون للسخرية أو بالأحرى الشفقة. بل إن ساندوتش جبنة رومى وكوب الشاى ليس لهما الأولوية، بل يمكن القول إن كليهما على القدر نفسه من الأهمية والقدرة على الإشباع.
الإشباع الناجم عن سماع الموسيقى- بما فيها موسيقى المهرجانات التى تثير غثيان البعض- ينافس فى أهميته ومركزيته الإشباع الناجم عن ساندوتش الجبنة الرومى. وساندوتش الجبنة الرومى الذى تناولته مصر أمس الأول على ساحل المتوسط، وتحديدًا على خليج رأس الحكمة ليس كمثله حكمة. «يانى» أحد أبرع وأروع وأبدع من صنع موسيقى فى عصرنا الحديث، يانيس كريسوماليس، اليونانى الأصل الأمريكى الإقامة الأممى الأثر أحيا حفلاً موسيقيًا رائعًا فى إحدى القرى الواقعة على خليج رأس الحكمة. والحكمة التى تنبع من مثل هذه الأنواع من الموسيقى التى يستطعمها ملايين البشر بغض النظر عن ثقافاتهم وجنسياتهم وخلفياتهم الحياتية ومستوياتهم الاقتصادية وانتماءاتهم الفكرية والسياسية هى أن الموسيقى تنقى الأرواح وترتقى بالحواس وتسمو بالأحاسيس لتجعل المتذوق جديرًا بلقب «إنسان».
والإنسان الذى سيقفز الآن ليخبرنا ساخرًا منددًا «قالشًا» بأن الشعب الباحث عن ساندوتش جبنة رومى لا يعنيه «يانى»، أقول له إن هذا الشعب نفسه يجد كل ما سبق بل يفيض حين يندمج ويذوب مع أوكا وأورتيجا وغيرهما من رواد موسيقى المهرجانات، ولا ضرر أبدًا من توسيع الألف قليلاً وإخبار هذا القطاع العريض بأن عالم الموسيقى فيه أيضًا شىء اسمه «يانى» يقدم إنتاجًا مختلفًا.
الإنتاج المختلف الذى يقدمه آخرون كثيرون وعلى رأسهم أمثال «يانى» والرائع «عمر خيرت» يفتح الأفق أمام موسيقى كونية لا تعترف بالحدود الجغرافية أو الفروق الثقافية.
جانب من دوائنا وعلاج ما أصاب أرواحنا وجعلها مسخًا على مدار نحو خمسة عقود يقبع فى الموسيقى. وحين تتابع «يانى» وفرقته المصاحبة له تجدها فرقة أممية، عازف الكى بورد تايوانى، والكمان أرمينى، والإيقاع من بورتوريكو، والتشيللو بريطانى، الترموبت مكسيكى، والدرامز أمريكى وهلم جرًّا. ناس من هنا وهناك، ثقافات متراوحة وبعضهم ربما لا يفهم لغة الآخر المنطوقة لكنهم يعزفون المقطوعة نفسها، كل بآلته وخصوصيتها لكن بتناغم يجعلها وحدة إنسانية رائعة.
روعة «يانى» فى مصر بالإضافة إلى موسيقاه المتاحة على الإنترنت دون أدنى تكلفة تؤثر سلبًا على لقمة العيش- تكمن فى وجوده للمرة الثانية فى مصر؛ ما يضع مصر دون لف ودوران أو تربص وتعسف تحت مجهر الإعلام الدولى. تغريدة واحدة من «يانى» عن جمال الساحل الشمالى وروعة المكان.. جالت أرجاء المعمورة فى دقائق. وصلت؟!