بقلم : أمينة خيري
سيظل يوم 30 يونيو يمثل النجاة والخلاص. لا يعنينى كثيراً إن كانت كتب التاريخ ستذكره باعتباره ثورة أو أحداثاً أو حتى انقلاباً. فأنا على يقين من أن من يريد أن يعتبرها ثورة سيؤرخها هكذا، ومن تجبره قناعاته أو انتماءاته على تصنيفها انقلاباً فسيكتبها فى كتبه هكذا. فاختلاف تعريف الحراكات وتصنيف التغيرات فى داخل الدول لن يقلب الأمور رأساً على عقب. وأذكر أننى طيلة أيام دراستى المدرسية، كنت أقرأ فى كتب التاريخ واللغة العربية وأسمع فى الفصل وأحفظ وأكتب فى الامتحان أن ما جرى فى يوليو عام 1952 ثورة، وفى البيت كان أبى وأمى يلقبونها هكذا. وكم كانت دهشتى حين واجهت مسمى «Coup d’etat» للمرة الأولى فى حياتى فى الكتب الجامعية، وذلك فى إشارة إلى ثورة يوليو 52!
لم يكن هناك إنترنت للمراجعة المعرفية أو المقارنة التحليلية. وحين سألت أحد أساتذتى من أساتذة العلوم السياسية عن سبب هذه التسمية الغريبة أجابنى بأن اختلاف مفاهيم الحكم وأسس الديمقراطية بين الدول وبعضها، بالإضافة إلى مسارات السياسة المختلفة والفجوات الكبيرة بين الدول، تجعل ما جرى فى مصر يوليو عام 1952، بحسب العلوم السياسية، انقلاباً. لكنه أردف قائلاً: «عموماً وبعيداً عن كتب العلوم السياسية، فإن العبرة بالخواتيم. وعلينا أن نحكم بما آلت إليه التغييرات. هل كانت لصالح الشعب أم ضده؟».
وبدأت أعرف أن من لهم ميول ناصرية يسمون ما جرى فى يوليو 52 ثورة، بينما من لهم ميول ملكية أو تمت مصادرة أملاك لهم يرونه انقلاباً صريحاً لا ريب فيه.
ولا ريب فى أن معالم تأريخ ما جرى فى مصر بعد 61 عاماً -بين يوليو 1952 ويونيو 2013- لن تتضح الآن. وأغلب الظن أنها ستبقى متأرجحة بين «ثورة شعبية» فى كتب من قاموا بها وآمنوا بأسبابها، و«انقلاب» فى كتب من عارضوها واعتبروها هادمة لمصالحهم أو انتماءاتهم أو ما كانوا يخططونه للمنطقة.
وبغضّ النظر عما تقرره كتب التاريخ، وعن المدة الزمنية التى ستستغرقها حرب التناحر التى يتزعمها المتضررون من إسقاط الدولة الدينية ومن محاربة جماعة عنصرية كجماعة الإخوان، فإن ما جرى فى 30 يونيو 2013 بالنسبة لى هو «حرب خلاص»، وصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، وحسم لمصير وهوية دولة أن تكون أو لا تكون.
وأفخر أننى شاركت فى هذه الثورة. لا أقول ناضلت أو حاربت، ولا أقول إننى توجهت إلى قصر الاتحادية من باب حب الاستطلاع الصحفى مثلاً أو من باب قياس ما يجرى على أرض الواقع ومقارنته بما يُكتب فى الإعلام أو ما يُسرد فى مواقع التواصل الاجتماعى. لكنى شاركت بناء على قناعة شخصية بأن عاماً من حكم جماعة الإخوان وأنصار الحكم من الجماعات السلفية والأحزاب الدينية مثل حزب النور السلفى كان كفيلاً بإقناع معارضى الحكم الدينى أن مصر تسير بخطى حثيثة نحو هاوية سحيقة.
الهاوية الدينية -أو بالأحرى تلك التى ترتدى جلباب الدين- من أصعب الهاويات التى يصعب الخروج منها. تخرج على الحكم فيصنفونك أنك خارج على الدين، وتعارض الحاكم فتُتهم بأنك تعارض الله، وتنتقد العنصرية الدينية فتوصم بأنك تنتقد ما هو مقدس. ألم يصف أنصار الحكم ظهور مذيعة محجبة بدخول الإسلام ماسبيرو؟ ألم يهلل أتباع الجماعة تصديقاً لأكذوبة أن رئيسهم من أدخل أول سجادة صلاة قصر الاتحادية؟ ألم يمتلئ استاد القاهرة بالقتلة والمجرمين وأمراء الجماعات الإرهابية ومعهم جموع وحشود التغييب الدينى ضحايا عصر مبارك الذين تركهم لقمة سائغة للجماعات الدينية تطعمهم وتكسوهم وتعلمهم وتحقنهم بإكسير الفكر الدينى الملتوى؟ ألم يهتف رئيسهم «لبيك يا سوريا» تحميساً للشباب المتأخون والمتسلفن ليسافروا إلى سوريا للانضمام للجماعات المجرمة أو تلك المصنفة أمريكياً بالجماعات المعارضة «المسلحة» المعتدلة؟
ألم نتابع خطط أنصار الحكم الدينى، خلال عام أسود، للسياحة الحلال فى الغردقة وشرم الشيخ؟ ألم نسمع أبناء عمومهم من المتسلفنين وهم يهددون ويتوعدون من ينجرف وراء اللهو الحرام الممثل فى كرة القدم؟ ألم يهرع معاتيههم إلى تغطية التماثيل لأنها «أصنام»؟ ألم ينعت حكماؤهم الحضارة الفرعونية بـ«العفنة»؟ ألم يخرج علينا مفتوهم محرمين الاحتفال بعيد الأم وأعياد الميلاد وكل ما من شأنه أن يحمل ملامح إنسانية أو أمارات بهجة وسعادة؟
ومن خبرة شخصية أجريت حواراً مع أحد رموزهم من أنصار الحكم، وحدثنى مفتخراً عن فكرة لوذعية تتمثل فى تأسيس مجالس عرفية فى داخل كل مديرية أمن لحل المشكلات التى تنشأ بين المواطنين؟ ألم يُلحقوا أبناءهم بكلية الشرطة من أجل التمكين السريع؟ وغيره وغيره.
سلام على ثورة 30 يونيو. المجد لانقلاب الإرادة الشعبية على الحكم الدينى.