بقلم : أمينة خيري
العبارات الرنانة، ما أجملها. والكليشيهات الضخمة، ما أروعها. والتوصيفات وارد الخارج أو التى وصلت إلينا توًا من المراجع، ما أشيكها. لكن الجمال والروعة والشياكة تبقى حبرًا على ورق، أو صورًا ذهنية فى أدمغة، أو أحلامًا وأمنيات ورغبات نتداولها شفاهية، وذلك لحين انتقالها إلى مرحلة التفعيل.
«تجديد الخطاب الدينى» أو بالأحرى تطهيره ومراجعته وتنزيهه عما لحق به من خراب وكراهية وسواد، وتفعيل «تجفيف منابع الإرهاب» جفافًا لا محل فيه للعودة إلى الإسلام السياسى وخلط الدين بالسياسة - يحتاج إلى تفعيله إلى أسلوب حياة.
فأسلوب الحياة الذى أدى إلى تحول هشام عشماوى من ضابط نابه إلى إرهابى سافك للدماء، بينما يكبر ويتمتم بآيات قرآنية وأحاديث نبوية- مازال سائدًا، بل يمكن القول إنه طاغ. كثيرون قابعون فى سنة أولى إرهاب. وكثيرون ينتظرون اللحظة الفارقة التى يصعدون فيها ما لقنه إياهم الخبراء والمتخصصون فى شؤون الدين «موديل تدين الثمانينات» من عنصرية مقيتة ومظهرية رهيبة إلى أفعال على أرض الواقع. الواقع يشير إلى أن بيننا ملايين تؤمن تمامًا أن المعترضين على أصوات مكبرات المساجد المتداخلة والمتشابكة يفضلون الفسوق ويميلون إلى الفجور. وبيننا ملايين على قناعة تامة بأن وصف صوت شخص أخذ على عاتقه أن يؤذن للصلاة بأنه أجش أو قبيح أو منفر لا يصدر إلا عن شيطان كاره للدين ومعاد للمتدينين. وبيننا ملايين على ثقة بأن المرأة التى لا تغطى شعرها، بغض النظر عن بقية جسمها، هى خارجة على الملة وتستحق كل ما قد تتعرض له من تحرشات تنم عن انعدام تربية المتحرش. وبيننا ملايين على قناعة تامة بأن المسلم وحده يستحق الدعاء بالشفاء والنجاح والخروج من الكرب، ولا مانع أبدًا بل يستحب أن نجاهر بالدعاء فى المكبرات لنا وحدنا، بل ويستحب أن ندعو على غيرنا لعلهم يدخلون فى ديننا أفواجًا. وبيننا ملايين على قناعة تامة بأن القيادة عكس الاتجاه أو بسرعة جنونية وإلحاق الضرر بالآخرين تصرف دنيوى لا ينتقص من درجة تدين الفاعل. وبيننا ملايين قرأت كل كتب التراث واقتنت كل كتيبات الأدعية وختم القرآن الكريم عشرات المرات، لكنها لم تمس بحثًا علميًا أو تمر أمام كتاب فيه علم نافع أو معلومة مفيدة.
الأفيد لنا التوقف عن التشدق بعبارات جوفاء حول وسطيتنا والتزامنا وتجديد الخطاب المتحجر وتجفيف منابع الإرهاب. وحين تتوافر لدينا الرغبة والإرادة والأدوات للتعامل مع معلمين يحشون رؤوس الصغار بمبادئ الفتنة الطائفية وأصول الفوقية المبنية على أساس خانة الديانة، وموظفين لا يرون غضاضة فى التوقف عن العمل وإنجاز مصالح الناس لأنهم صائمون، وحين يُنفض غبار التحريم عن الفن والموسيقى والرسم، وحين تتوافر لدينا الشجاعة لأن تكون مصر بالفعل دولة مدنية حيث الدين لله والوطن للجميع فعلاً لا تشدقًا، ربما ننجح فى تجفيف المنابع الصانعة لعشماوى وغيره.