بقلم : أمينة خيري
نحتاج دراسة اجتماعية متأنية لنخرج بنتائج يعتد بها، لكن نظرة سريعة إلى حال دول الكوكب، نجد أن الغالبية المطلقة من الدول التى جعلت من الدين مهنة ومن التدين المظهرى غاية قومية ومهمة رسمية، ومن الإبحار والإغراق والانغماس فى سفاسف الأمور الحياتية ركنًا من أركان التدين هى الدول إما الواقفة محلك سر فى مسارها الحضارى، أو المتقهقرة المتدهورة الراجعة إلى الخلف بسرعة الصاروخ.
وقبل أن تنطلق صواريخ «الدين لم يكن يومًا سببًا للتخلف» و«طبعًا ما أنتوا عايزينها دولة كفار».. إلى آخر منظومة الهراء الهجومى المعتاد، أقول إن الدين لم يكن يومًا سببًا فى تخلف أو تقدم أمم.. لكن احتكار الدين، أو تحويله لسلعة تجارية، أو أداة من أدوات الحكم، أو وسيلة من وسائل التغييب، أو قناة من قنوات الإلهاء، أو أسلوب من أساليب تخدير الملايين وإقناعهم بأنهم خير الأمم وأذكى الشعوب وأطهر الأفراد وأنفع الحضارات لمجرد تشبثهم بهوامش ذات تفاصيل ضخمة كفيلة بإغراق أمم الأرض وتأثير متقزم كفيل بإبقائها تحت سطح الأرض لقرون- هو عين التخلف.
وتعريف «الحضارة» الذى لا ثانى له هو: «تلك الحالة المتقدمة للمجتمع البشرى الذى تمكن من الوصول لمستويات متقدمة وراقية من الثقافة والعلم والصناعة وإدارة الحكم». أين نحن إذًا من هذا التعريف؟ هل التمسك بتلابيب المسواك بديلًا لمعجون الأسنان، وأزعرة البنطلون فوق الكعبين، وجرجرة العباءة على الأرض، ودخول الحمام بالرجل الشمال، وبث دعاء الركوب فى المصعد قبل الإقلاع، والتمتمة بالأذكار لمدة ساعة بعد الصلاة.. وغيرها من التفاصيل ثقافة أفادتنا ومن حولنا؟.
الكوكب الذى نعيش عليه يئن بما نفعله بأنفسنا. ونظرة سريعة إلى حالنا فى مصر نرى أن من يجد الوقت الكافى ليخرج بهذا الكم من الأفكار والأسئلة والإجابات والمناقشات عن حكم الزوجة التى ترفض عمل الملوخية لزوجها، والزوج الذى يهدد زوجته بالضرب ليؤدبها، ورأى الدين فيمن جلس فى مكتب مع موظفة لم ترضعه، ومن أراد أن ينكح زوجته المتوفاة لتوها، وحكم الجمع بين زوجة وابنة خالتها وحفيدة ابنة عمتها وغيرها مما نحن غارقون فيه لن يجد وقتًا ليفكر أو يبحث أو يقرأ أو يجتهد فى سياقات أخرى من علم حقيقى أو بحث واقعى أو معرفة تفيد الكوكب أو ابتكار يعالج الأمراض.
التدين ليس مهنة، لكنه وسيلة لتقويم الأنفس.. ومعدومو القدرة أو الرغبة أو كلاهما فى الإبداع والابتكار والإنتاج هم فقط من يملكون رفاهية الوقت وإهدار الجهد للإمعان فى تفاصيل دخول الحمام. لذا سيبقى هؤلاء هناك وأولئك هنا لحين إشعار آخر.