بقلم : أمينة خيري
ألمح نورًا وسط عتمة الشهادات، وأستشعر أملاً وسط منحدرات «القمة». وبكل تأكيد هناك صحوة تبشر بواقع قادر على إيقاظ الملايين من غفوتهم وإنقاذ الأبناء من الوصمات الثقافية والحيلولة دون وقوع المزيد من شهداء الفوبيا الاجتماعية.
وتزامنًا مع إعلان نتيجة بعبع البيوت وأشكيف الأولاد والبنات، تصاعدت آراء ومواقف لمواطنين ومواطنات عاديين يستنكرون فيه هذه الهالة المريعة التى تحيط بالثانوية العامة: رعب، قلق، اكتئاب، يأس يقود إلى انتحار، قروض بنكية وإفلاسات شعبية، جيوب مدرسين و«سناتر» تضخ مليارات فى جيوب حفنة من المدرسين، وقائمة طويلة من مكونات التركيبة الشيطانية للثانوية العامة التى أطبقت على أنفاس الملايين.
تتواتر آراء ومواقف أصدقاء سواء فى جلسات اجتماعية أو عبر تدوينات فايسبوكية وتعكس كمًا كبيرًا من المصارحة والمكاشفة اللتين حان وقتهما بعدما طال انتظارهما. كثيرون من الأصدقاء والزملاء من أبناء الوسط الإعلامى نصحوا الحاصلين على الثانوية العامة بعدم الاقتراب من كليات الإعلام والبقاء بعيدًا عن فلكها حفاظًا على مستقبلهم وضمانًا لصحتهم النفسية. البعض ارتكن فى تحذيره إلى حالة الإعلام فى العالم كله، حيث الإعلام التقليدى يتقهقر ويتعثر تارة تحت وطأة اللهجة الشرسة من الإعلام الجديد لا سيما الشعبى، وتارة أخرى لعدم القدرة على الصمود المادى فى سوق لم تعد تبحث عن مقالات منشورة أو تحقيقات منجزة، بل تبحث عن خبر يقع حاليًا أو مشهد يتجسد بينما الكاميرا تبثه إلى ملايين وربما مليارات المتابعين.
متابعة ما يجرى فى قطاعات من المجتمع المصرى تجاه منظومة الثانوية العامة تقول إن مصر تتغير فعليًا. ربما تلال المشكلات وجبال الموروثات ومعضلة السلوكيات التى تجعل تفاصيل الحياة اليومية عذابات فعلية تمنعنا من القدرة على جس نبض هذا التغيير، لكنه يحدث. قصص وحكايات يجرى سردها عمن كان يحلم بكلية الطب البشرى لكن المجموع ألحقه بكلية الحقوق والاجتهاد بعدها مكنه من العمل فى مجال القانون الدولى فى منظمة أممية، ومن كانت تعتقد أن مستقبلها يتوقف على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لكن امتحان القدرات حال دون ذلك، فالتحقت بكلية «سد خانة»، ثم أصقلت موهبتها بورش عمل وخبرات معايشة وأصبحت من أشهر مصممى الديكورات المنزلية، وهلم جرا.
وأتوقع أن تدور المرحلة المقبلة للنضج المجتمعى فى فلك كليات «سد الخانة»، وبمعنى آخر ربما يبدأ حراكًا مجتمعيًا حقيقيًا لخلع بدلة «الشهادة الجامعية». فاليوم، وبعد ما عرف الجميع- سواء اعترفوا أم لا- بأن أسطورة «كليات القمة» وهم وخيال، وأن ما كان مضمون العمل أمس لم يعد كذلك اليوم، سيغير البعض من دفة التفكير ليتجه الأبناء والبنات إلى نوعية أخرى من التعليم والتخصص. بدء الإفاقة الجماعية استغرق عقودا، ونتمنى ألا يستغرقنا الأمر دهورًا أخرى لنصل المرحلة التالية حيث توجيه الأجيال الجديدة فعليًا إلى ما يطلبه السوق دون وصمات أو سقطات.