بقلم : أمينة خيري
المواطن المصرى لا يختلف عن غيره من مواطنى الكوكب. هو بشر له صفات وسمات، بعضها وراثى والبعض الآخر مكتسب. وكغيره من البشر، يتأثر المصرى بالثقافة المحيطة والعادات والتقاليد والأجواء السياسية والاقتصادية ونوع وجودة التعليم والصحة والأنظمة السياسية، بالإضافة إلى الطقس وطبيعة الأرض.
بالطبع هناك شعوب أعرق من غيرها، حيث تاريخ ضارب فى الأصالة، لكن لا يمكن القول بأن هناك شعبا مؤهلا أكثر من غيره للالتزام بالقواعد والقوانين، أو أن شعوبًا أكثر إبداعًا بسبب جينات وراثية. لكن يمكن القول إن نسب الإبداع والابتكار تزيد فى مجتمعات مقارنة بغيرها بسبب توافر البيئة الحاضنة للإبداع من تعليم جيد وبحث واحتضان للابتكار. أو أن هناك شعوبًا أكثر التزامًا بقوانين المرور وقواعد احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء على حريات الآخرين الشخصية، لأن نظام التعليم لديهم غرس مفهوم القوانين فيهم منذ الصغر، بالإضافة لقوة واحترام منظومة القوانين وحتمية تطبيقها باعتبارها ضرورة قصوى وليست رفاهية أو اختيارًا.
خلاصة القول إن جانبًا معتبرًا من مشكلاتنا وشكاوانا ومعاناتنا اليومية فى مصر، والتى ظهرت على السطح بشكل بالغ الوضوح فى السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ العودة النسبية للاستقرار بعد الانتخابات الرئاسية فى عام 2014، وبدء استعادة مفهوم الدولة يعود إلى التركيبة البشرية المكتسبة.
اكتساب «مهارات» الفهلوة وتحليل النصب وتبرير الاحتيال مع اعتناق مبدأ كسر القوانين عقيدة إيمانية راسخة، وغيرها من ظواهر تتراوح بين عدم الشعور بالحرج لإلقاء القمامة فى عرض الطريق أو بناء مبنى مخالف شكلاً وموضوعًا أو انتهاج القبح المظهرى منهجًا فى الحياة جميعها ناجم عن عدم إيمان شبه كامل بمعنى القانون، والغاية من تطبيقه.
وأعتقد أن هذه الفوضى السلوكية العارمة بلغت مداها بعد عودة الاستقرار النسبى فى عام 2014، لأن هامش الالتزام الذى تشبث به بعضنا بين عامى 2011 و2014 نجم عن شعور داهم بالخطر، وهو ما دفعنا إلى محاولة الإبقاء على الوطن قائمًا قدر الإمكان.
وفى الإمكان استعادة مصر التى نتمناها، وإعادة المصريين إلى مكانة مقبولة بين شعوب الأرض عبر عدة خطوات، لكنها تحتاج صبرًا ونفسًا طويلاً وإيماناً عميقًا بأنها الطريق الوحيد لمصر المتحضرة سلوكًا ومكانة. علينا فض الاشتباك بين التديين والتعليم. يجب أن ينشأ الصغار على قيم دينهم، هذا لا جدال فيه. لكن لا يجب أبدًا استبدال قواعد التعليم المدنى المتحضر الحديث بمفاهيم وتفسيرات دينية تتغير وتتبدل بتغير مفسريها والقائمين عليها. وهذا لن يتحقق بتغيير المناهج، لأن المنهج المدنى الرائع سيتحول إلى منهج طائفى متحجر على يد المدرس الغارق حتى شوشته فى الإسلام السياسى، أو تفسيرات الدين القادمة عبر الحدود.
وعلينا كذلك استعادة دولة القانون عبر تخريج دفعات تربت على قيمة القانون ومعناه والغرض منه حتى يطبقوه وهم على قناعة بقيمته وليس سد خانة أو فراغا.