بقلم : أمينة خيري
الرؤية بالعين المجردة والمعايشة تشيران إلى أن الغالبية المطلقة من مشاكلنا العويصة سببها ضبابية منظومة تطبيق القوانين. والمنظومة لا تقتصر على الجهات المنوط بها تطبيق القانون، لكنها لا تستوى دون تأهيل وتثقيف الأفراد فى هذه المؤسسات فى شأن هذه القوانين. فمن يطبق القانون وهو لا يؤمن به أو بقيمته أو غايته سينتهز كل فرصة لتجنب التطبيق. كما أنها لا تستوى فى المجتمع الذى تُرِك نهبًا للأعراف أو حرًا لتطبيق شرائع معتقداته بحسب تفسير رجال دياناته أو تتقاذفه رياح الفوضى وأعاصير العشوائية.
عشوائية التطبيق ولحظيته ترسلان رسائل سامة إلى المجتمع، مفادها أن التطبيق عشوائى وهوائى وبحسب المواقف.
مواقف عدة استوقفتنى الأسابيع القليلة الماضية وجميعها يدور فى فلك دولة القانون. سيارة ملاكى صدمت عربة كارو على طريق السويس. تجمعت السيارات فى مكان الحادث، وانقسم الحضور ثلاثة أقسام. الأول يرى أنه طالما لم يسفر الحادث عن قتلى، فالحمد لله على كل شىء وكل حى يروح لحاله. الثانى أمسك بخناق سائق الملاكى بين استعطاف وتهديد بأن العربجى والأطفال الثلاثة والسيدة الراكبين معه فى العربة غلابة وفقراء، وحرام الضغط عليهم، وواجب تقدير فقرهم واحترام غلبهم. فريق ثالث وهو الأقلية تجرأ ولفظ كلمة «قانون» حيث سير الكارو ممنوع فما بالك بالطرق السريعة وأن الواجب تطبيق القواعد.
قواعد أخرى خضعت للشد والجذب حيث الطفلة «لولى»- والتى كتبت عنها الكاتبة الصديقة سحر الجعارة فى «المصرى اليوم» قبل أيام- والتى وجدت نفسها تجلس وحدها فى زاوية فى حضانة فى تجمع سكنى على طريق السويس وكأنها معاقبة. حصة الدين الإسلامى لأطفال الحضانة الخارجين لتوهم من مرحلة «الرضاعة» حتمت على الصغيرة المسيحية الانزواء فى ركن وحدها. وفى خضم المتصارعين حول إذا ما كان من حق الحضانة أن تقصى الصغيرة بهذا الشكل أو أن هذا وضع طبيعى لأن الأغلبية مسلمة ويجب أن تتعلم دينها، غاب عن الكل القوانين والقواعد المنصوص عليها فى الدولة. هل من حق الحضانة أن تعلم الصغار الدين؟ أى دين؟ وإن كان من حقها، فمن يعلمهم؟ وما موقف المنتمين لأديان أخرى؟
الموقف الثالث صورة فوتوغرافية التقطها أحدهم ونشرها على صفحة تجمع مجموعة كبيرة من سكان منطقة ما. الصورة تبين شابا مستلقى فى حديقة مزروعة منتصف الشارع والفتاة تجلس إلى جواره «دون تماس بينهما». التعليق المصاحب للصورة يستهجن ويندد بالمشهد.
والسؤال مجددًا: من الذى يحكم بين المختلفين فى المواقف السابقة؟ هل هو العرف؟ أم ديانة الأغلبية؟ أم المواقف الشخصية للأفراد وما يحبون وما يكرهون. القانون فى الدول التى تحتكم إلى القوانين يوفق بين المصالح المتعارضة، ويحقق العدل، ينظم علاقات المواطنين، ويحافظ على حريات الأفراد دون أن يخرقها آخرون. فهل نريد دولة قانون؟ أم دولة أعراف وأهواء؟