بقلم : أمينة خيري
وقت بدأت منصات الـ«سوشيال ميديا» فى تأسيس دور وكيان لها فى مصر قبل ما يزيد على 17 عاما، كنت من أشد المؤيدين لها باعتبارها أدوات تمكين ونشر قيم الديمقراطية وإتاحة المعلومات والبحث للجميع. لكن اليوم، ألوم نفسى على حماسى الشديد وتأييدى المتناهى لهذه الأدوات الافتراضية التى توغلت لتهيمن على جانب كبير من حياتنا بشكل أخشى أنه مرضى.
وبعيدا عما يمكن الجدال فيه من أن تطبيقات مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستجرام» وغيرها أفادتنا فى تبادل المعلومات والآراء والاطلاع على جوانب كانت غائبة عنا، إلا أننى، وبصفة شخصية، أجد صحتى النفسية معرضة للخطر بسببها.
أعلم تماما أن البقاء على «فيسبوك» أو «تويتر» أو «إنستجرام» أو غيرها أمر اختيارى، لكن الواقع يقول إن البقاء عليها شر لابد منه، وإلا أصبح الإنسان مهددا بالانعزال وعدم مواكبة العصر وناس العصر.
وأتمنى أن يشاركنى من يرغب من السادة القراء تجاربهم النفسية مع هذه المنصات، وهل هناك من يشعر بأن صحته النفسية فى خطر بسببها؟ لا أتحدث عنها عن إدمان البقاء على هذه المنصات أو الإفراط فى استخدامها أو اعتبارها بديلا للحياة الحقيقية، فأنا ولله الحمد لم أقع فى هذه الفخاخ المنصوبة. لكن ما أتعرض له كل صباح وقت مرور الكرام على بعض المنصات، لا سيما «فيسبوك» أجدنى كمن ركب طائرة ولم تكن الرحلة بأكملها إلا مطبات هوائية عاتية.
«اللى باصص لى فى كل خطوة وكل صورة وكل فستان جديد وكل ابتسامة وكل فسحة، أحب أقوله أو أقولها كفاية كده، العين فلقت الحجر. العربية الجديدة اتدمرت» مع صورة لسيارة مهشمة على الصبح. هنا تنزل بالتعليق المتين: «قدر الله وما شاء فعل. الحمد لله إنك بخير».
«أخيرا وجدت نصفى الآخر. تمت أمس خطبتى إلى شيماء حبيبة العمر كله». تعلق مباركا الخطوبة الميمونة: «ألف مبروك. ربنا يسعدكم ويهنيكم».
«أبويا مات. السند والظهر والطيبة والحسم والعمر كله راح». وهنا لا تملك إلى مشاطرة الصديق الأحزان وتمنى الرحمة للفقيد.
«حصلت أمس على شهادة مدرب تنمية بشرية وخبير علاقات أسرية ومتخصص علاج بالفضفضة». تكتب وأنت غير مقتنع: «ألف مبروك. إنجاز عظيم».
«فقدت وظيفتى وزوجتى هجرتنى وأبنائى لا يسألون عنى وجيرانى خاصمونى وأهلى قاطعونى وأفكر فى الانتحار». وجب عليك الشد من الأزر وتقديم الدعم: «كل مشكلة ولها حل، عليك طلب الدعم النفسى وإن شاء الله تعبر الأزمة بسلام».
«كم الإنجازات فى البلد غير مسبوق. مصر ستصبح أعظم دولة فى العالم». تكتب: «يسمع منك ربنا. الله كريم».
«البلد فى ضياع، والناس جعانة، والأرض عطشانة. كلنا هنموت». تعلق: «نحن أفضل من غيرنا وإن شاء الله نعبر الأزمات».
هذا وغيره يحدث يومياً. فأى عقل أو قلب بشرى يتحمل هذا الهبد والرزع المستمرين؟ هل هجر الـ«سوشيال ميديا» هو الحل؟!.