بقلم : أمينة خيري
على هامش مأساوية الصورة كاملة الأضلع والأركان لانفجار «محيط» المعهد القومى للأورام، تطل مأساوية أخرى برأسها لتقول لنا إن جانبًا لا بأس به من العمل الصحفى المهنى فى حكم المتوفى.
وكأن مشهد الأطفال من مرضى المعهد وهم يقفون بكمامات على وجوههم وممسكين بحقائب بلاستيكية فيها على ما يبدو ما تيسر جمعه فى ثوان من متعلقاتهم الشخصية وقت حدوث الانفجار الذى تبعه حريق، وهلع الأهالى، ومشهد الأشلاء فى أماكن متفرقة لم يكن كافيًا، فإذا بأخبار صحفية متضاربة وتكهنات حول ما جرى منسوبة لمصادر فى جهة هنا وجهة هناك، أغلب الظن أنها مختلقة من قبل كاتبها، وروايات جديرة بكتب الخيال غير العلمى يحكيها من لم يكن فى محيط الحادث لزملاء وزميلات سدوا بها فراغات مطبوعاتهم ومواقعهم.
موقع المعهد فى وسط القاهرة جعله قبلة للجميع. البعض هرع للمساعدة الحقيقية المفعمة بالجدعنة والشهامة، البعض الآخر ذهب بدافع حب الاستطلاع، وفريق ثالث من أولئك المصابين بانعدام الدم وتقزم الإحساس لدرجة الاضمحلال تسمروا فى محيط الحادث ليلتقطوا الصور بهواتفهم المحمولة.
ومع كامل الاحترام لـ«صحافة المواطن» التى مكنت كل حامل هاتف محمول به كاميرا من أن يتحول إلى مصدر لخبر منتقص وصورة مأزومة، حيث محتوى ساخن ملتهب دون تفسير أو معلومة، إلا أن تخمة الصور ومقاطع الفيديو التى غزت مواقع التواصل الاجتماعى أثارت حالة من الفوضى العارمة. فوضى تحليلات مريدى المقاهى والساهرين ليلًا على كنباتهم أمام شاشات التليفزيون وعاشقى الهبد ومحبى الرزع تفجرت فى وجوه الباحثين عن معلومة حول ما جرى.
للأسف الشديد، لم يختلف محتوى ما جاء فى الإعلام «المهنى» من صحافة ومواقع وتليفزيون وما جاء فى مواقع التواصل الاجتماعى. من سمع شبه معلومة أو حصل على شهادة شاهد عيان بثها ونشرها كما هى. وكم من شهادة لا تقتصر على رواية ما جرى، بل تنطوى على كم مزعج من الافتراضات والتكهنات والتحليلات التى يتم سردها وكأنها معلومات، ما يزيد طين غياب المعلومة بلة الافتراضات. وقلة المعلومة بالمناسبة ليست سُبة على جبين الحكومة أو ذلة فى رقبة المسؤولين. وبمتابعة الحوادث الكبرى فى أكثر دول العالم «شفافية» من حيث عرض المعلومات وعقد المؤتمرات الصحفية لإطلاع الإعلام على ما يتوافر من معلومات موثقة أولًا بأول، يعرف الجميع عبارة «جارٍ البحث والتقصى، وسيتم الإفصاح عن النتائج حال توثيقها والتأكد من مصداقيتها أولًا بأول»..
لكن أن تُترك الأمور لـ«صرح مصدر مسؤول فضل عدم ذكر اسمه»، أو تقتصر التصريحات على أعداد القتلى والجرحى دون تنويه بمتابعة الإعلام أولًا بأول، أو يخلد من بيده أمر المتابعة للنوم فتغيب المتابعات لنحو خمس ساعات كاملة لا حس فيها أو خبر سوى لـ«صحافة المواطن» و«الخابور الاستراتيجى»، فهذا هو الطريق الأقصر والأضمن لإثارة البلبلة وإفساح المجال للقيل والقال. كلمة أخيرة.. أغلبنا يفتقر إلى «ثقافة إعلامية» و«مسؤولية وطنية» قبل الإقدام على التكهن بالتفسير، حقنًا لأعصابنا ودمائنا.