بقلم : محمد أمين
طر كبير أن تكون هناك حرية أكبر لمن يكتبون على «فيسبوك»، أكثر ممن يكتبون فى الصحف الرسمية.. هنا تسود الفوضى وتنهار القيم.. لأن الكاتب بطبعه «مسؤول».. حين يجلس أمام الأوراق ينضبط سلوكه، ويشعر بالمسؤولية.. أما من يكتب على مواقع التواصل فليس مؤهلاً للكتابة، ولا تحكمه مهنة، ولا يهمه ما ينشره، حتى لو كانت شائعات وأكاذيب!
ويمكنك أن تدقق فى كل الأحداث والحوادث اليومية.. فحين تتوقف الفضائيات عن البث، وتتوقف الصحف عن الكتابة فى الموضوع يلجأ الناس فوراً إلى تبنى الشائعات، وتضخيم الأحداث، واللجوء إلى الإعلام الذى يتصور أنه يعطيه الحقيقة.. مع أنه ليس الحقيقة إطلاقاً، ولكن لأن الدولة منعت الحقيقة فانتشرت الشائعات.. إذن أنتم مسؤولون عن الشائعات للأسف!.
فما حدث هو إخلاء للمجال العام.. وما حدث هو تسليم المجال العام تسليم مفتاح للإعلام المعادى.. ثم يحدث أن نحذر منه ونتهمه بتسميم المصريين.. ثم نبذل جهداً أكبر لتفنيد الشائعات.. فهل يعقل هذا؟.. هل يعقل أن تكون المعلومة فى يدى، ثم لا أنشرها، إلا فى شكل «نفى» فى اليوم التالى.. من الذى يفعل ذلك؟.. من الذى يحدد ما ننشره وما لا ننشره بالضبط؟!.
المفترض أن الدولة اختارت قيادات صحفية وتليفزيونية وإذاعية تثق فيها.. والمفترض أنها تشربت وتشبعت بفكر الدولة، وتعرف حدود المصلحة العليا للوطن.. وبالتالى تتركها تتصرف بكل قوة لتعطى المواطن المعلومات من وجهة نظر مهنية، ومن وجهة نظر وطنية أيضاً.. فلماذا يجلس هؤلاء ينتظرون التعليمات؟.. ولماذا يجلسون الآن على دكة الاحتياط؟!
ليس شرطاً أن ينقل الإعلام أسباب الحادث فهو لا يملكها.. ومن المؤكد أنها مسألة قيد التحقيق فى النيابة.. ولكن كان من الممكن أن ينقل الإعلام بعض القصص الإنسانية، التى تحدثت عن اشتعال ميكروباص الفرح.. وكان من الممكن أن يساهم فى عملية إخلاء مبنى معهد الأورام.. كان من الممكن أن يساعد فى تغطية زيارة رئيس الوزراء للمصابين فى الحادث الأليم!
صمت الإعلام نكبة كبرى.. وسكوته يفتح المجال لغيره بلا استئذان.. المواطن لن يقف مكتوف الأيدى.. سيبحث بنفسه عن كل شىء.. من الفاعل؟.. وما هى الأسباب؟.. هل هو انفجار أم تفجير؟.. هل هو بسبب أنابيب الأوكسجين، أم بسبب سير سيارة فى الطريق المعاكس؟.. سيتجول على كل الفضائيات.. سيعرف ما جرى حتى لو كان كذباً.. وهنا تكمن المأساة!
وباختصار، فإن المواطن لن يقف عند حد المعرفة فقط.. لكنه سينشر ما عرفه من الإعلام الآخر.. وهنا تنتشر الشائعات، وتملأ فضاء الإنترنت، ولا يمكن أن تغيرها إلا المعلومات وحدها.. والسؤال: لماذا نصرف على فضائيات لا نستخدمها؟.. ولماذا نضع كل قياداتها على دكة الاحتياط؟!