بقم : أمينة خيري
وما طريق الساحل إلا مثال ضمن مئات الأمثلة. وما قتلاه إلا أرقام ضمن عداد سنوى يضم 12 ألف قتيل. لكن ربما ما يجعله حديث الموسم هو أن نسبة كبيرة من قتلاه شباب فى عمر الزهور. وعدد لا بأس منهم نعرفه ونعرف أسرهم، ونشارك فى تشييع جثامينهم، ونشد على أيدى ذويهم المكلومين والمكلومات، ونرى الحسرة واللوعة فى عيونهم بأنفسنا.
ورغم أننى لست من رواد الساحل، إلا أن ظروفًا جعلتنى أقطعه جيئة وذهابًا قبل أيام حيث رأيت ما أرى يوميًا على طريق السويس، ولكن ربما بشكل أكثر عشوائية وأعتى فوضوية. تكاتك تسير بعرض الطريق السريع، سيارات ملاكى ونصف وربع نقل تقطع الطريق وتجتاز الجزيرة الوسطى بكل رعونة، باعة مانجو وتين يقتطعون حارة لأنفسهم ليعرضوا بضاعتهم، سيارات تسير عكس الطريق، وأخرى تقرر أن تسير ليلاً دون ضوء أو إشارات، والمهزلة أكبر وأعمق من أن يتم سرد جوانبها فى مقال أو اثنين.
وبعد التسليم بالقضاء والقدر، وبعد الإشارات المتتالية والتنويهات المتواترة عن أن نسبة من الشباب من ضحايا طريق الساحل هم ضحية الأهل الذين يسلمونهم سيارات أحدث موديلات ولا يراقبون التصرفات والسلوكيات... إلخ، إلا أنه تجب الإشارة إلى أن فئة المراهقين والشباب فى جميع أنحاء العالم تشكل غالبية ضحايا الطرق. أرقام منظمة الصحة العالمية فى عام 2018 تشير إلى أن 73 فى المائة من قتلى الطرق هم ذكور تقل أعمارهم عن 25 عامًا. كما أن حوادث الطرق هى السبب الأول للوفيات فى الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا. وتعد السرعة هى السبب الأول والرئيسى وراء وقوع أغلب الحوادث.
أغلب الحوادث التى نُبتلى بها فى مصر يمكن تفاديها. بل إن نسبة معتبرة منها لا علاقة له برصف الطريق أو حالة السيارات... إلخ، لكنها على علاقة وثيقة جدًا بسلوكيات السائقين، وهذا ما يخبرنا به مسؤولو المرور فى كل مرة يتحدثون فيها عن حوادث الطريق. وحيث إن سلوكيات المواطنين المشار إليها هنا تتراوح بين جهل تام بقواعد المرور رغم حصول الغالبية على رخص قيادة تعنى ضمنًا أنهم ملمّون بكل ما يتعلق بقواعد القيادة، وضرب عرض الحائط بكل قوانين المرور ومعها قوانين الطبيعة من سرعات وتخطى الآخرين والتوقف على جانب الطريق، فإن مسؤولية مطبقى القوانين صريحة ومباشرة وجسيمة.
وإذا كنت قد أخفقت فى تربية ابنى على سلوكيات محترمة واحترام حق الغير ونبذ الأنانية وتفضيل الذات، وفشلت تمامًا فى شرح معنى الحرية الشخصية له إذ يعتقد أن من حقه أن يشعل نارًا فى غرفته أو يحول سيارته إلى طائرة، وانشغلت عن تقويمه وتربيته وقت صغره، فعلى الأقل تجب علىّ السيطرة عليه وعلى جنوحه وجنونه وشطحاته. إنه تطبيق قانون المرور الذى دخل فى غيبوبة تامة متسببًا فى قتل أبنائنا وحصد أرواح الآلاف، مكتفيًا بمناشدة السادة المواطنين «القتلة» التزام القواعد.. وهما وضميرهم بقى!