بقلم : أمينة خيري
هناك شىء اسمه «أخلاقيات البحث». فحين تنوى مؤسسة أو جهة ما إجراء بحث أو استطلاع عليها أن تتبع قواعد، وتحترم أخلاقيات تتراوح بين الأمانة والمصداقية والحيادية والانفتاح على كل التوجهات وغيرها. وضمن قواعد البحث أيضًا- وفى ظل إمكانية تعدد مصادر التمويل- فإن مسؤولية حياد ونزاهة استخدام أموال البحث تقع على الباحثين أو لجنة أخلاقيات مهمتها التأكد من أن مصدر التمويل لا يؤثر على سير أو توجيه أو نتائج البحث. وكم من جهة بحثية نطالع عملها ونصفق لنتائجها إن توافقت وتوجهاتنا، ونلعن سلسفيل جدودها إن تعارضت معها، دون معرفة جهة التمويل ومدى التأثير على اختيار موضوع البحث، وخطوات إجرائه، وتعيين الباحثين، وانتقاء المبحوثين، ومن ثم الخروج بنتائج بعينها دون أخرى. وتجد مصر نفسها فى السنوات القليلة الماضية موضوعًا لمئات الأبحاث، وأرضًا خصبة لكم هائل من استطلاعات الرأى والتوجهات وقياس التغيرات والتوجهات. بعض هذه الأبحاث محلية المنشأ، ولكن للأسف، فإن جانبًا غير قليل منها سطحى، أو يتم إنجازه على عجل، أو يفتقد مواصفات البحث العلمى الحقيقى الذى يمكّنه من أن يكون قياسًا حقيقيًا ينهل منه الآخرون ويعتد به من قبل المؤسسات والهيئات المصرية والدولية. صحيح لدينا عدد من المراكز البحثية المحترمة جدًا، منها على سبيل المثال لا الحصر: المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية (لكنّ نجمه خفت خفوتًا شديدًا لأسباب لا أعرفها)، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وأحدث المواليد المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، لكن وضع مصر ومكانتها وما تتعرض له من حروب شعواء- بعضها يدور بطريقة غير مباشرة عبر أبحاث تبدو علمية واستطلاعات بالغة الجاذبية- تحتاج المزيد.
والمقصود بالمزيد هنا هو الكيف أكثر من الكم، بالإضافة للخوض فى قياسات واستطلاعات يتعامل معها العالم باعتبارها مؤشرات حاكمة، وأمارات واضحة، وقياسات يعتمد عليها لفهم البلاد وما يدور فى رؤوس العباد. خذ عندك مثلًا- على سبيل المثال لا الحصر- عناوين مثل «هل تبتعد الأجيال الجديدة عن الدين؟»، «ما حجم التأثير الحقيقى لموجات الهجرة الاقتصادية للخليج على مر خمسة عقود على المجتمع المصرى؟»، «هل العلمانية فكر آخذ فى النمو؟»، «هل العلاقات الجنسية قبل الزواج بالفعل غير قائمة؟»، «هل المصريون مازالوا ينظرون للتعليم باعتباره قيمة كبيرة؟».. وغيرها من العناوين يفضل البعض دفن رأسه فى الرمال حتى لا يفتح على نفسه فاتوحة، أو يخشى البعض من الخوض فيها، لأنها «عيب» أو «شائكة» أو «محرجة»... إلخ. مثل هذه القضايا تعمل عليها مراكز بحثية أخرى لا تعتنق مبدأ الحرمانية أو تخشى المساءلة أو ترفض المواجهة. والكثير من هذه المراكز يحظى بتمويلات أقل ما يمكن وصفها به هو أنها حتمًا ستؤثر على مصداقية البحث وتوجهه، لكنها من الحنكة التى تتيح لها أن تقدم نتائج بحثها باعتبارها جهة بحثية مهنية لها تاريخ وتحظى بمصداقية، رغم أنها ليست كذلك.