بقلم : أمينة خيري
العالم كله، وليس مصر وحدها، يعيش أزهى عصور الشائعات، أو بالأحرى (لغويًا) الإشاعات. الكوكب يواجه يوميًا ملايين الإشاعات، منها ما هو محبوك ومتكلف، أى مصاغ بشكل أنيق وسياق ذكى، ومنها ما هو غارق فى السطحية والضحالة والجهل حتى بقواعد إطلاق الإشاعات. ولأن الإشاعة فن له قواعد وأصول، وإلا لما استخدم على مدار قرون لهدم دول وتفتيت أمم، فإن القلب ليحزن والعين لتدمع حين نجد أنفسنا فى ذيل الأمم من حيث مهارات إطلاق الإشاعات. والأدهى من ذلك، أن نجد بيننا من يخونه ذكاؤه الفطرى ويغرر به عقله وفكره، فيهرع لتصديق ما يثار حوله من النوعية الرديئة للإشاعة. وقد أشيع الكثير حول ما تواجهه مصر من سيول إشاعات. هذه السيول ظهرت وتمدد أثرها فى السنوات القليلة الماضية والتى تزامنت وتطورين رئيسيين: الأول أحداث يناير 2011 وما نسميه «رياح التغيير»، والثانى سطوع نجم الشبكة العنكبوتية وتغلغلها فى حياتنا لتغير الكثير من تفاصيلها الصغيرة والكبيرة.
لذلك قال البعض إن ما تنعته الدولة بـ«الإشاعة» إنما هو كبد الحقيقة. وقال البعض الآخر إن ما يثار حولنا هو جزء من مؤامرة كاملة الأركان تواجهها المنطقة كلها. وقال فريق ثالث إننا نهول من كم الإشاعات ونفرط فى إيلائها الاهتمام، وأفتى ثالث بأننا نهون منها وعلينا أن نحجب ونغلق ونراقب ونمنع بيد من حديد. وأرى أن الإشاعات فى العقد الثالث من الألفية الثالثة شر لا بد منه، لكن حتى الشرور لها حدود وسبل للتعامل معها وتقليص آثارها. الميل الشعبى للهيصة والزمبليطة عامل مؤجج للإشاعة. والنيل من الفريق المختلف أيديولوجيًا وفكريًا يدفع البعض لتبرير الإشاعة وترويجها. لكن قلة الوعى وتقزم الثقافة ومحدودية الرؤية وترجيح كفة المصلحة الشخصية على العامة واعتبار «وإيه المشكلة يعنى؟!»، أسلوب حياة والقول بأن «ما كل الناس بتعمل كده» تزيد من خصوبة التربة المروجة للإشاعة. وزاد طين قلة الوعى بلة «الترند».
وبيننا من هو مستعد لدهس الآخرين وإشعال النار فيهم بحثًا عن «الترند». ولأن الشىء بالشىء يذكر، فقد كنت شاهد عيان على عملية إطلاق إشاعة إعلان وزير التربية والتعليم يومى الخميس والجمعة فى المدارس إجازة رسمية لكل المصريين. ولولا أننى كنت حاضرة فى القاعة التى ذكِرت فيها عبارة «الخميس والجمعة إجازة» فى سياق مختلف تمامًا، وحديث واضح وصريح ولا علاقة له من قريب أو بعيد بإجازات المدارس، لوجدت مبررًا لمن حقق الترند على مواقع خبرية بعنوان عااااجل: طارق شوقى يعلن أن الخميس والجمعة إجازة رسمية!. فقد كان الرجل يتحدث عن تغيير وتطوير نظام التعليم بشكل يجعل الطلاب قادرين على التمتع بعطلتهم الأسبوعية، ودون الاضطرار للعودة من المدرسة والانكباب على الحفظ والدروس. مفهوم جدًا أن الصحفى يحاول التنقيب عن خبر مثير أو عنوان جاذب، لكن أن يصل الأمر إلى الخرافة، فهذا جنون.