بقلم : أمينة خيري
نحتاج مقياسًا نفسيًا وعصبيًا دقيقًا لأحوالنا. الحالة النفسية والأوضاع العصبية للشعوب مهمة لمعرفة ماهية الطريق. وليس المقصود معرفة نسب الإصابة بالاكتئاب، والتى أخبرنا العالم الدكتور أحمد عكاشة قبل ما يزيد على عشر سنوات، حين كانت أوضاعنا الاقتصادية أفضل وأحوالنا المعيشية أحسن، أن نسبة الأعراض الاكتئابية تتراوح بين 30 و38 فى المائة فى الريف، و28 فى المائة فى الحضر. لكن المقصود هو إجراء دراسة عملية واقعية عميقة حول التركيبة النفسية والعصبية لقطاعات الشعب المختلفة. مفهوم تماماً أن المراحل الانتقالية وأوقات عدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية وغيرها تؤدى إلى اضطرابات نفسية ومشاعر متضاربة متأرجحة بين الأمل فى غد أفضل والتشاؤم بأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان. وهذا بالطبع ينعكس على كل كبيرة وصغيرة فى حياة الناس، وتصرفاتهم وتعاملاتهم وطريقة إنجازهم للأنشطة والمهام، وأسلوب تواصلهم مع بعضهم البعض.مقالات متعلقة
ونظرة متأنية إلى تفاصيل حياتنا اليومية تشير إلى أن المصريين فى حالة غير طبيعية. وهى حالة لم تستثن تفصيلة أو تتجاهل كبيرة أو صغيرة. نقود سياراتنا بطريقة انتحارية رافعين راية «يا قاتل يا مقتول». ندافع عن الخطأ والمخطئين عبر صعبانيات ومظلوميات ترتقى لدرجة المشاركة فى الجريمة. نعتنق الشىء ونؤمن بعكسه فى اللحظة ذاتها: نشكو ونبكى ونتأوه من الدروس الخصوصية وإن بُذِلت جهود لمحاصرتها ومحاربتها نهبّ للدفاع عنها والإبقاء عليها. نقر ونعترف بأن الخرافة تسيدت وأن الدجل والشعوذة وتقديس غير المقدسات يدفعنا دفعاً نحو القاع بعدما اجتزنا الهاوية، لكن نقاوم بكل ما أوتينا من قوة محاولات الإصلاح والتجديد والتنوير ونفض الغبار. نعزف سوياً معزوفات جنائزية على الأخلاق التى ذهبت والسلوكيات التى انحدرت والقيم التى تبعثرت، وحين تستنجد بنا أنثى تعرضت للتحرش نحمّلها الذنب ونرشقها بسهام الاتهام أو نطالبها بالصمت التام حفاظاً على عاداتنا وصوناً لتقاليدنا. نبكى على أطلال الضمير الذى تبخر فى الهواء، ثم نذهب إلى أعمالنا فنمضى دقائق العمل بين نوم وشاى وفول وصلاة الفرض والسنة. نباهى بأن خيرات البلاد لا أول لها أو آخر: أراض زراعية تطرح الخير فنبنى عليها ونجرفها، آثار وشواطئ تضمن مليارات من السياحة فيأتى السياح فنكفرهم فى عيشتهم ونتحرش بهم ونطالبهم بارتداء العباءة والإسدال، إمكانات هائلة للاستثمار وتأسيس المصانع والشركات فنتضرر من العمل ونبحث عن فرص التزويغ والكسل والقيام بأقل عمل ممكن بأعلى دخل متاح. نبكى على أطلال مصر التى كانت وقت كنا أكثر نظافة وأعلى أخلاقاً وأعمق ثقافة، وبعد أن ننتهى من فقرة البكاء نرمى قمامتنا فى الشارع ونعتدى لفظياً على بعضنا البعض ونعتبر أى ثقافة غير دينية لا لزوم لها. غاية القول إن الإنسان الذى يعتنق الشىء ويؤمن بضده، وينتقد السلوك ويأتى به هو ذاته، وينجح فى تشخيص أسباب أمراضه وانهزاماته، ثم يمسك بتلابيب هذه الأسباب ولا يحيد عن الإتيان بها، يحتاج تحليلاً لفك اللوغاريتم النفسى وشرح اللغز العصبى.