توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لله والوطن والرئيس

  مصر اليوم -

لله والوطن والرئيس

بقلم - أمينة خيري

هذه اللافتات المليونية فيها سم قاتل. وهو سم سريع المفعول لا يستغرق وقتًا أو يتطلب جهدًا. ولأنه قاتل، فإن آثاره يصعب أن تمحوها السنوات أو الجهود أو حتى الإنجازات. وكنت قد كتبت قبل أسابيع تحت عنوان «لافتات تأييد الرئيس» مناشدة للرئيس بأن يوجه الشكر لكل من يطبع لافتات أو ينشر إعلانات، ثم يطلب منهم أن يتوقفوا عن ذلك. وعرضت أن يقترح الرئيس على من يود أن يعبر عن دعمه وتأييده ماديًا أن يخصص هذه الأموال لأحد المشروعات الإنتاجية أو المستشفيات العلاجية أو الصناديق المخصصة لتأمين الفئات الأولى بالرعاية.

إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت توسعًا فى اللافتات، وتضخمًا فى الشعارات، وتزايدًا فى المساحات. وقد وصل الأمر إلى درجة التضييق على المارة واحتلال مساحات شاسعة ودق الأعمدة الخشبية الضخمة على الأرصفة بشكل يعيق مرور المواطنين تمامًا من أجل تعليق اللافتات التى يعلن أصحابها دعم الرئيس لإكمال المشوار.

مشاوير المصريين جيئة وذهابًا فى أرجاء المحروسة تسفر عن عودة إلى بيوتهم مشبعة بمشهد اللافتات التى تعدت مرحلة المعقول إلى مرحلة اللامعقول، وهى المرحلة التى مهدت الطريق لبعض «الخبثاء» إلى القول بأن أوامر أو فلنقل توجيهات تصدر لأصحاب المحلات والمصانع بطبع هذه اللافتات وتعليقها، وهو ما لا يليق بنا كشعب ولا برئيسنا الذى اخترناه بأغلبية كاسحة رغم أنوف الكارهين فى الداخل والخارج.

وخارج إطار الانتشار الدعائى والانشطار الإعلانى، فإن رد فعل قطاع من المارة بدأ ينقلب إلى الضد. فالتعبير عن الحب فيه الكثير من الجمال والرقى. وبذل الجهد من أجل دعم رئيس أنقذ البلاد والعباد فى لحظة فارقة كادت تدفع مصر إلى الهاوية أمر محمود ومقبول. لكن هناك خطا فارقا وفاصلا بين المشاعر الحقيقية والحملات المنظمة، وهو الفارق نفسه الذى يفرق بين من يقتنى قطعة فنية مصنوعة يدويًا بكثير من الشغف والإبداع، ومن يقتنى قطعًا تجارية ينتجها المصنع بالآلاف فتخرج وكأنها قطع صماء لا حياة فيها ولا نبض.

نبض الشارع ينبغى أن يكون وحده المقياس. ونبض الشارع يفرق جيدًا بين لوحة صغيرة بدائية مكتوبة بخط اليد تضعها سيدة عادية على شرفة منزلها خطت فيها أسبابها الشخصية التى ستجعلها تنتخب الرئيس السيسى لفترة رئاسية ثانية مع إمضاء «أم مصرية»، وبين لافتة شاهقة مثبتة أعلى رؤوس المارة تحمل شعارات منتشرة فى كل مكان ومعلنة تأييد صاحبها الذى تناطح صورته صورة الرئيس فى إهانة واضحة لفهم المواطنين واستهانة بالغة بمشاعرهم.

مشاعر المصريين لا يفهمها إلا المصريون. قد تعمل أحيانًا ضد المنطق، وتسير ربما فى طرق وعرة تدفعهم إلى حافة التهلكة لكنها تعود لتدفعهم بعيدًا عن هوات سحيقة يسببها مرض كذلك الذى أصابهم واسمه «هسهس التديين»، أو تنتج عن تراكم سنوات من القهر والفساد والظلم. وعلى الرغم مما أقبل عليه البعض من «تصويت انتقامى» وآخر «عنادى» وغيرها من عوامل تسيير وتحديد دفة الانتخابات التى ظهرت فى مصر فى سنوات ما بعد ثورة يناير، والتى ازدهرت وترعرعت فى أجواء الاستقطاب الرهيب، إلا أن البعض ممن هم فى مواقع المشورة نسوا ذلك.

وأغلب الظن أن ذلك لن يحدث فى الانتخابات المقبلة، لكن ما قد يحدث كرد فعل لهذا الإغراق الدعائى هو عزوف عن النزول والمشاركة، وهو احتمال قائم أصلاً فى ضوء ثقافة مصرية صميمة تعتبر المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية أمرًا لا يعنيها. وتجدر الإشارة إلى أن استحقاقات ما بعد ثورة يناير تظل الاستثناء وليست القاعدة.

والقاعدة التى ينبغى أن يتذكرها كل من يهتم بالشأن المصرى هى أن الغالبية العظمى من المواطنين يعتمدون على حس فطرى وشعور طبيعى فى تسيير أمور حياتهم، والمشاركة فى الانتخابات ليست استثناء. صحيح أن للإعلام دورًا كبيرًا، والأحداث السياسية والأمنية عامل مؤثر، والحس الوطنى سيد قائد وليس عبدًا تابعًا، إلا أن هذا الحس الفطرى وذلك الشعور الطبيعى يمكن أن يميلا إلى سكة العناد أو طريق الإعلان عن استياء وتململ من مبالغات لا يحبونها.

الحب والكره، والاستلطاف والاستثقال لا ينبغى أن تكون ضمن مفردات الاختيار السياسى. هكذا يقول المنطق. لكن من قال إن المنطق سائد؟! هناك من يكره من يملى عليه توجهات بعينها. وهناك من ينفر من مبالغات فى الإعلان عن دعم وتأييد. وتشجيع الناخبين على النزول بغرض المشاركة لا يمر عبر طريق المبالغة والمغالاة والإسراف والشطط. لكنه يمر عبر توعية بمعنى المشاركة فى الانتخابات، أى انتخابات.

تقول أبجديات العلوم السياسية إن المشاركة فى الانتخابات حجر زاوية أى ديمقراطية، وكلما انخفضت نسبة المشاركة انخفض تصنيف الدول ك«ديمقراطية». واقتصار عملية التصويت على فئات اجتماعية واقتصادية وتعليمية تعنى أن هناك عوارًا فى المجتمع وفى درجات الوعى. والمشاركة فى الانتخابات هى عملية تعليمية. وربط النزول من البيت والتوجه إلى صندوق الانتخاب بفائدة مادية مباشرة فساد وإفساد للعملية الديمقراطية. أما القول بأهمية النزول حتى لا نضع أنفسنا فى وضع محرج أمام الغرب أو الشرق فسم قاتل آخر غير سم المبالغات الدعائية.

هذه السطور لله والوطن والرئيس.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لله والوطن والرئيس لله والوطن والرئيس



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon