بقلم - أمينة خيري
طوفان من الأدعية والأمنيات الجميلة غمرت صناديق التواصل الاجتماعى وفاضت بأمنيات المشتاقين ورغبات المهمومين فى شأن الشهر العظيم، وما يمكن أن يحمله من معجزات انقضاء المشكلات وتبخر الهموم وتشرذم الغيوم. «اللهم بلغنا رمضان»، «اللهم تقبل منا الصيام»، «اللهم بحق هذا الشهر عليك بمن ظلمنى اللهم اسقم جسده وأنقص أجله وخيب أمله»، «اللهم أعنا على صيام وقيام شهر رمضان»، «اللهم بارك لنا فى صيام شهر رمضان»، «كل رمضان ونحن إلى الله أقرب»، «اللهم بحق هذا الشهر الكريم حسنات تتكاثر وذنوب تتناثر»، «اللهم أعنى على قيام الليل»، «اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وركوعنا وسجودنا». مئات وربما آلاف من التضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرى صومنا هذا وصلاتنا تلك ويجازينا عنه، إما خيراً أو تذليل صعوبات أو تحقيق أمنيات، تقرأ الأدعية المرسلة لك ضمن زمرة من مئات الأصدقاء ومن قبلهم الآلاف ومن بعدهم الملايين ولا يسعك إلا أن تقول «آمين» (ربما باستثناء نوعية من الدعاء تتضرع إلى رب الرحمة والمغفرة والعدل أن يحرق فلان أو ينتف شعر علان أو يشتت شمل فلان وما أكثرها)، لكن اللافت بحق هو أن أياً من هذه الأدعية لا يشمل مثلاً تمنى أن يكون العبد أكثر إخلاصاً فى عمله مثلاً، أو تفوقاً فى مجاله، أو رحمة بأقرانه من العباد، أو التزاماً بالقوانين والأخلاقيات، ورغم توافر عنصر الدعاء للبلد بأن يكون أكثر أمناً وسلاماً، إلا أن أحداً لا يتوجه إلى السماء بالدعاء أن يكون البلد أكثر تقدماً فى مجال البحث العلمى مثلاً، أو أكثر تميزاً على صعيد الإبداع والابتكار، أو أعلى مكانة على مؤشر الشفافية أو السعادة، أو أعمق أثراً فى شأن الفنون، بل أكاد أجزم أن الدعاء لا يعرف طريقاً إلى مجالات مثل فوضى الشارع، وتدنى السلوك، وتبخر الأخلاق، وتوغل البلادة، وتمكن اللامبالاة، وانتهاك خصوصية الآخرين.
وقد ظهر أن هذا العام، مثله مثل بقية الأعوام، حيث تستهل الملايين الشهر الكريم بقوائم من الأسئلة «الدينية» العويصة والعميقة والعتيدة، حيث هل تقبيل الزوجة يبطل الصيام، وهل القطرة تعنى الإفطار، وهل يجوز التفكير فى العلاقة الحميمة أثناء وقت الصيام، وهل الغوص فى سير الناس على سبيل الحكى وليس النميمة حلال أم حرام، يغرق الجميع هذه الآونة فى الاستزادة من أرشيف مكاتب الإفتاء، وكنت أتمنى أن يرد سؤال عن حكم الدين فيمن نزل من بيته دون أن يستحم، وتوجه إلى عمله بعد ما تحرش بكل الكائنات الأنثوية فى الطريق، وجلس على مكتبه دون أن ينجز مصلحة واحدة توحد الله، فهل يجوز صيامه؟
جواز الصيام من عدمه أمر ليس بالصعوبة، وإن ظل الله تعالى وحده العالم بالنيات والحاكم بالقبول أو الرفض، لكن جواز مآذن المساجد المتلاصقة والمتاخمة لبعضها البعض وهى تبث صلاة التراويح وتنقل إلى سكان الكوكب الوجه الجميل الرصين لديننا الحنيف، حيث يتصارع المشايخ الذين يؤمون الصلاة على إعلاء كلمة الحق وترجيح كفة الصوت الأعلى باعتباره إلى الله أقرب، وتتداخل أصوات المآذن المتلاصقة وكأنها فى صراع من أجل دعوة غير المسلمين لاعتناق الإسلام، أصوات زاعقة، بعضها مبحوح لفرط الصراخ والبعض الآخر مبحوح بالفطرة تخصصت فى تشويه الدين فى الشهر الكريم، لا سيما فى المناطق البعيدة عن أعين وزارة الأوقاف. الوقفة الأخيرة التى أشير إليها فى هذا المقال الرمضانى هى تلك التى شدت انتباه البعض ممن لسعتهم ظاهرة الدعاة الجدد، الذين قاموا بدور كبير فى تديين هذا الشعب بهذا الشكل المظهرى الرهيب مع تحويل المحتوى إلى فراغ شبه كامل.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع