بقلم : أمينة خيري
يقول المتنبى: «لكل داء دواء يستطب به، إلا الحماقة أعيت من يداويها». وهذا كلام صحيح. حتى «كورونا» اللعين يمضى العالم قدمًا للوصول إلى لقاح للوقاية منه وبروتوكول للعلاج، لكن تبقى الحماقة داء بلا دواء. فحين ينشغل الجميع مثلًا بـ«هل كورونا بلاء أم ابتلاء، وهل من مات بـ(كورونا) متوفى أم شهيد، وماذا لو لم يكن مسلمًا؟» فهذه حماقة. والحماقة أشكال وألوان.
مبدئيًا، يجب الإشارة إلى أن الحماقة، بحسب القاموس اللغوى، هى «قلة العقل والشطط فى التفكير». ويقال هو أحمق وهى حمقاء وهم حمقى. وللعلم والإحاطة، فالحماقة ليست سبة، بل وصف لحالة. وجميعنا معرض لداء الحماقة بين الوقت والآخر، لكن أن تكون الحماقة أسلوب حياة أو تفكيرًا أو نقاشًا، فهذه حماقة مزمنة مفجعة. ومن يتابع الشأن العام هذه الأيام يلاحظ أن مناقشاتنا اليومية العادية، والتى يدور الكثير منها حول مجريات العالم من حولنا ومصر التى نعيش فيها، يلاحظ سحابة ثقيلة تحوم فى الأفق. يجلس صديقان على القهوة، ويقول الأول إن ترامب سيترك أمريكا دولة مفتتة منقسمة على نفسها بتصرفاته الأخيرة، فيرد الآخر بأن بايدن سيعود إلى سياسات أوباما المؤيدة لجماعات الإسلام السياسى وأن نار ترامب ولا جنة بايدن، فيتطور النقاش إلى اتهامات بالأخونة وأخرى بالانبطاح وثالثة بالجهالة. يدون أحدهم على صفحته فى «فيسبوك» مهللًا ومشيدًا بالقطار الكهربائى السريع وما يمثله من نقلة حضارية واقتصادية، فتجد من يتهمه بالانبطاح والتطبيل ويخبره بأن ما كتبه يعنى أنه مغيب ومغفل، فيرد عليه الأول بأنه عدو الدولة وخائن ومتآمر، وهلم جرا.
يناقش أحدهم مسألة اللقاحات ويستعرض النتائج الأولية لفاعلية اللقاحات، فتجد من ينبرى من بين الصفوف هابدًا فيما لا يعلم، حيث اللقاح الصينى هو الأسوأ لمجرد أن مصر تعاقدت عليه، وأن الدول التى تحترم شعوبها وتخاف عليهم من الهواء الطاير تعاقدت على لقاح فايزر، فيخبرهما ثالث بأن حاخامًا فى إسرائيل تلقى لقاح فايزر بجرعتيه وأصيب بكورونا، فينقلب النقاش إلى هبد فيما يختص بـ«القدرة والخنازير»، ورَزعًا حول «اللهم عجّل بنهاية اليهود»، ويتبدد النقاش العلمى فى هواء العدم.. هواء العدم قادر على الانتشار السريع والتغلغل الأكيد. وكفى نظرة سريعة على منطق النقاش - سواء التلفزيونى أو الفردى أو العنكبوتى - لتتأكد من أن العدم فكرة والفكرة لا تموت، وأن الحماقة أسلوب حياة.
الغريب أن شعوب العالم شرقًا وغربًا ومع اختلاف مكاناتها وقدراتها تتناقش وتتبادل أطراف الحديث والآراء والمواقف، لكن هذا الكم المذهل من القدرة على اتباع عقيدة «لو أنت تشيد بإجراء أو سياسة حكومية فأنت حتمًا دولجى منبطح»، وفى الوقت نفسه «لو أنت تنتقد إجراء أو سياسة حكومية فأنت دون أدنى شك متآمر وخائن» مذهل ويستحق التأمل!. لقد مر عقد كامل على أحداث 2011، وعلينا أن ننبذ الحماقة ولو قليلًا.