بقلم : أمينة خيري
قضية الفندق مدخل لقضية أوسع وأهم. ليست عناوين رخيصة مهترئة على شاكلة «أخلاق أبناء الكبار» و«الأغنياء يمرحون بالتحرش والاغتصاب» و«بنات الطبقة المخملية يريدون ممارسة الجنس بمزاجهن». وبعيداً عما جرى فى الفندق فعلياً وليس افتراضياً، فإن ردود الفعل الشعبية الحالية من تعليقات فى أحاديث بين الناس أو على تدوينات وتغريدات تتعلق بالقضية تنضح بدواخل المجتمع وحقيقة وطبيعة نظرته للطبقات الاجتماعية والمرأة والحياة بشكل عام. والمسألة ليست مجرد حادث وقع مثل آلاف غيره من حوادث، لكنه ينطوى على العوامل الثلاثة التى تدغدغ عقول وقلوب الملايين فى علاقة يسمونها علاقة حب / كراهية: الجنس، المال، والدين. ولأن الحادث وقع فى فندق شهير وأبطاله ميسورو الحال، فإن سكاكين الطبقية ومطاوى العنصرية وسيوف الشرف المرتبط «فقط» بالفقراء والغلابة والمساكين تم إشهارها دون هوادة. المثير أن هذا الإشهار ليس حكراً على أحاديث القهاوى والشعارات الحنجورية، لكنه امتد إلى عناوين صحف ومواقع خبرية لتنضح بكم هائل من تجذير هراء ارتباط الثراء بالفُجر، والزندقة والفقر بالشرف والإيمان. وكان من أبشع وأقبح ما شهدت قبل أيام نقاش محتدم بين صديقين أحدهما يتبنى نظرية أن الفرق الوحيد بين الأغنياء والفقراء فى مسائل الأخلاق والسلوكيات هو العلن، فالأغنياء لا يضطرون إلى الإتيان بتصرفات بعينها فى السر، عكس الفقراء الذين يضطرون لذلك، والثانى يرى أن الأغنياء فاسدون فاسقون بالضرورة، وأن الفقراء شرفاء طاهرون بالفطرة. احتدام النقاش للطرفين المتبنيين نظريتين تنافس بعضهما البعض فى التطرف والبلاهة دفع الأول إلى القول بأنه إذا كانت العلاقات الجنسية المفتوحة شائعة لدى الأغنياء، فإن زنا المحارم وممارسة العلاقات الجنسية شبه الكاملة أو الكاملة والتى يجرى تصحيح آثارها سمة الفقراء! أما الثانى فقد زاد تمسكاً بنظريته حول فسق الأغنياء إلى أن يثبت عكس ذلك. ورغم ما يحمله مثل هذا النقاش من شطح وخبل يتصور البعض أنه استثناء، فإن النظر إلى النسبة الأكبر من التغطية الإعلامية لقضية الفندق والتعليقات عليها ينبئنا بأن الشطح ليس ظاهرة مريبة، بل قاعدة عريضة.
المثير أن عرض وجهة نظر مغايرة للسائد فى قضية الفندق غالباً تؤدى هذه الآونة إلى اتهام صاحب وجهة النظر بأنه يدعو إلى الفسق ويطالب بتعميم الزندقة، ناهيك بالطبع عن اعتبار القضية بشكل عام تتعلق بمجموعة من «الفتيات المنفلتات» لا شأن للمجتمع المتدين بالفطرة بهن. هذا الاعتقاد السائد والمدعم بتوجه «مصر» بشكل عام منذ نهاية السبعينات، وبشكل متصاعد وصل أوجه فى السنوات القليلة الماضية إلى تعليق كل إخفاقاته وإحباطاته وانغلاقاته على جسد المرأة، دفع الكثيرين إلى مزيد من التشنج والتطرف والمطالبة بتطبيق أقصى العقوبات الشعبية على كل الكائنات الأنثوية من أجل تقويم المجتمع وإصلاح أحوال الأسرة المصرية.
أحوال الأسرة المصرية التى تم اختزالها فى: ماذا ترتدى البنات والنساء؟ وتحديد صوتها بقدر معين من الـ«ديسيبل» مع تبكيتها وتعنيفها فى حال ضحكت أو عبرت عن رأيها، وغيرها من مظاهر لا تعكس إلا قدراً بالغاً من اعتبار كل امرأة أو فتاة أو طفلة كائناً درجة ثانية ولكن بعد تغليفهن بغلاف الحلوى الشهير المعروف بحمايتهن من الذباب والصراصير والبق والبراغيث.
وعودة إلى قضية الفندق وما يملأ الأثير حالياً من نبش وتنقيب فى سيرة إحدى الممثلات، وهى والدة فتاة تحولت من شاهد إلى جانٍ فى الأيام القليلة الماضية. عناوين مثل «ما لا تعرفه عن الفنانة الفلانية» «تاريخ حافل لأبناء الفنانات: مخدرات وعبادة شيطان وحفلات جنس جماعى» «بنت الوز عوامة» وغيرها كثير جداً. وبالطبع، فإن المعترض على مثل هذا المحتوى الإعلامى يتم تصنيفه فوراً باعتباره «داعياً إلى الفسق ومروجاً للفجور وداعماً لحفلات الجنس الجماعى والتى بالطبع يقيمها الأغنياء فى بيوتهم فى عطلات نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية».
رسمياً، القوانين ونصوصها هى الحاكم بين المواطنين وبعضهم البعض. لكن فعلياً، جماعات الأمر بالمعروف المتنامية قوتها والمنتشرة سطوتها والمتمدد أثرها والتى لم تعد فقط مقبولة بل نافست القوانين وأضحت أعتى منها بمراحل هى التى تتحكم فى الشارع، وفى البيت، وفى الأسرة المصرية. هذه الجماعات المتمثلة فى مجموعة جيران، أو صفحة على «فيس بوك»، أو محامٍ أخذ على عاتقه تهذيب الناس وتقويم سلوكهم بحسب ما تربى عليه أو نشأ عليه فى قريته لها اليد العليا فى المجتمع المصرى الآن.
وأخشى ما أخشاه أن تتحول قضية الفندق من حلقة فى سلسلة تشجيع الإناث فى مصر للمجاهرة بما يتعرضن له من تحرشات بدرجات مختلفة إلى مقصلة يتم من خلالها قطع رقبة المربوط حتى يخاف السايب، ويعود المجتمع إلى سكونه؛ حيث «كله تمام، والأخلاق مزدهرة والسلوكيات فى أبهى حللها» طالما المجاهرة ممنوعة والمظاهر ملتزمة متزنة تحميها «سبع طبقات وأستك».