بقلم : أمينة خيري
جميل أن تتمسك بهويتك، وتفتخر بعقيدتك، وتعمل على نذكير نفسك ليلا نهارًا بأنك تنتمى إلى توجه أو عقيدة ما، خصوصًا لو كنت من الناسين أو الساهين أو الغافلين. لكن فرق كبير بين أن تضع كتابًا مقدسًا من مصحف أو إنجيل أو غيره فى سيارتك أو بيتك، أو تستمتع تلاوات وقراءات دينية فى نطاق سكنك، أو تعلق لوحات تحمل آيات مقدسة أو أدعية تؤمن بها أو عبارات تعتبرها ضرورة لطقوسك الدينية وتذكرة لك ولمن حولك من أفراد أسرتك. وربما تود أن تعلم الزائر أو راكب سيارتك الملاكى أنك تنتمى لتوجه ما أو عقيدة ما لسبب ما فى نفسك. هذا حقك، لأنك تتصرف فى حدود ملكك.
لكن أن تتحول وسائل مواصلات البلد، وجدران ممتلكاتها العامة، وخلفيات سياراتها، وفضاءات محلاتها التجارية، وأعمدة كباريها الخرسانية، وعلب خطوط الكهرباء والتليفونات إلى وسائل لإشهار انتماءاتك الدينية، فهذا يقول ويعكس الكثير.
عبارات الهوية الدينية تسيطر على المدينة والمدن المجاورة وبالطبع القرى والنجوع. خلفيات ونوافذ ودواخل باصات النقل العام مليئة بالإشهارات الدينية. خلفيات السيارات عامرة بجمل وعبارات دينية. جدران المبانى العامة، وأحيانًا الخاصة تحولت استعراضًا للتدين الرهيب والرسائل ذات المعانى الدينية من وجهة نظر كاتبيها. جدران المصاعد فى العمارات أصبحت ساحة لكتابة التشهد والتسبيح والتكبير. ما إن ينتهى العمل فى كوبرى حتى تجد أحد العمال وقد قرر أن يكتب عليه عبارة دينية بطلاء أسود حتى يراه الجميع. مكاتب الوزارات والمصالح الحكومية والأماكن الخدمية عامرة بظواهر دينية تخاطب كل الحواس. يفتح المحل التجارى أبوابه فى الصباح على خلفية قراءات دينية تصل إلى البيوت المجاورة وغير المجاورة. حرم محطات المترو ومواقف الباصات العامة مليئة بأماكن الصلاة المقتطعة من الملكية العامة سواء كانت رصيفًا أو أرض المحطة. ولفرط هذا التركيز والتفكير والتدبير للتعبير عن الانتماء الدينى، كم من رصيف ضيق فى شوارع عدة اختفى تمامًا حيث قرر البعض أن يستبدل بالرصيف برمته مكانا للصلاة.
ما أجمل الصلاة، وما أحلى التقرب إلى الله، وما أروع الإيمان. لكن أن يستحل البعض الأملاك والأماكن والخدمات العامة لتتحول منصات لصلاتهم هم دون غيرهم، ويستحوذون على المساحات المتاحة لملئها بعبارات ومظاهر تعكس انتماءهم هم وليس غيرهم، ويهيمنون على الفضاء فيبثون محتواهم الدينى بدرجة الصوت التى يرونها مناسبة، ويعتبرون مصعد العمارة وعمود الكوبرى وواجهة المدرسة ومكتب خدمة المواطنين وباص النقل العام ورصيف المترو منصة لتذكير أنفسهم بإيمانهم الشديد، أو إبهار الآخرين (وربما تخويفهم) بهذا الكم المذهل من التدين، فهذا خرق للقانون، وجور على حريات الآخرين، واستعراض للعضلات بغرض الترهيب، وشكل فج من أشكال التدين الشعبوى المظهرى خاوى المضمون.