بقلم : آمينة خيري
فتح واقع التعايش مع الفيروس أبواباً غير مسبوقة للجدل والقلق والخلاف حول مفهوم الحريات. وبدلاً من عقود وقرون طويلة ظلت البشرية خلالها تدور فى فلك الكر والفر بين الأنظمة والشعوب فى محاولات الأولى لكبت حريات الأخيرة، وجهود الأخيرة لاقتناص حرياتها من براثن الأولى تارة، سواء حرية التظاهر أو التعبير أو حرية التنقل أو الإعلام أو الاتصال، تتوجه الأنظار الآن إلى حرية البشر فى ظل كورونا. «كورونا» التى أغلقت أبواب الكوكب بالضبة والمفتاح، سواء بحظر كامل أو جزئى، أو إخضاع لكشوف ومسحات صحية دون موافقة مسبقة وغيرها، تنصب نفسها اليوم على رأس قائمة مكبلات الحرية ومقيداتها!.
من كان يظن أن يأتى اليوم الذى نشهد فيه مظاهرات واحتجاجات لأشخاص يطالبون بالحق فى العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد -2019)؟! بالطبع لم يحمل المتظاهرون لافتات تطالب بحق العدوى صراحة، ولكن تظاهر آلاف الألمان احتجاجاً على إجراءات العزل الخاصة بالفيروس والمطالبة بحرية التجمع وحرية العقيدة يدفعنا إلى التفكير فى هذه الزاوية من زوايا الحرية. وفى أمريكا يتظاهر الآلاف بين الحين والآخر، إما رفضاً لتجارب الأمصال، أو رفضاً للأمصال نفسها، أو للمطالبة بإنهاء إجراءات العزل والحجر الصحيين، بما فى ذلك الولايات الأشد تضرراً من الفيروس، معتبرين الإجراءات المتبعة «مبالغة شديدة لا داعى لها» و«تكبيلاً للحريات غير مرغوب فيه». وفى بريطانيا هناك من تظاهر ضد الإغلاق وفرض إجراءات التباعد عن طريق النزول إلى الشارع والعناق وتبادل القبلات على سبيل التعبير عن الاعتراض. وفى بولندا مظاهرات ضد الإغلاق وأثره على الاقتصاد ومطالبات بالفتح وعودة الحياة العادية بغض النظر عن العدوى والفيروس. البعض يرى فى مثل هذه الاحتجاجات تعبيراً عملياً عن الاختيار القاسى المفروض على الكوكب بين خيارين كلاهما أكثر مرارة من الآخر: إما خطر الإصابة والمرض والموت جراء الفيروس، أو خطر الإفلاس وتوقف عجلة الإنتاج والاستسلام والموت اقتصادياً. لكن هناك كذلك من يرى فى إجراءات الحظر والعزل والإغلاق، سواء الكلى أو الجزئى، مقدمة لعصر جديد من تقنين مراقبة الدولة لمواطنيها وتتبعهم لتطويق الفيروس! الأسابيع القليلة الماضية حفلت بكم هائل من أخبار التطبيقات والإجراءات والخطوات المتخذة لتتبع المواطنين فى العديد من الدول لتتبع الفيروس وتنقلاته، أى تتبع المواطنين وتنقلاتهم. «شركة هندية ابتكرت تطبيقاً لتتبع مرضى كورونا»، «روسيا تطلق تطبيقاً لتتبع المرضى»، «جوجل وآبل تطلقان منصة لتتبع المرضى» «تطبيقات ذكية فى بريطانيا لضبط وتتبع تنقلات المواطنين»، «قطر تلزم المواطنين والمقيمين بتحميل تطبيق (احتراز) على هواتفهم لتعقب انتقال الفيروس»، «إسرائيل تقصر مراقبة الهواتف على مرضى كورونا»، وغيرها المئات من أخبار تنبئ بتتبع سكان الكوكب بشكل أو بآخر.
إنها صفحة جديدة وغريبة فى باب الحريات، حيث التتبع يعرف بأنه مراقبة قسرية وقمعية، وعدم التتبع إهمال الدولة فى تطويق الفيروس.