بقلم : امينة خيري
نوعان من الأمية يعصفان بنا عصفًا. الأولى كلاسيكية تقليدية حان وقت مجابهتها بكل حسم، والثانية حداثية ثقافية يمكن علاجها بقليل من الوعى وكثير من التعليم النقدى.الأولى هى الأمية الأبجدية مستوجبة الخجل. فأن تواجه مصر مشكلة فى الأمية الأبجدية فى 2020، فهذا يعنى أننا قصّرنا تقصيرًا شديدًا فى حق أنفسنا وأبنائنا وبلدنا. وأن يكون أكثر من ربع سكان المحروسة غير قادرين على القراءة أو الكتابة، فهذه مصيبة، لكن المصيبة تتحول إلى عار إن تجاهلنا المسألة وأغمضنا الطرف عن الكارثة.
الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كان قد أعلن أن عدد الأميين فى مصر ارتفع إلى 18٫4 مليون فرد فى عام 2017، بعدما كان 17 مليون فرد فى عام 2006! وبعيدًا عن «تفنيطة» من هم الأميون، ونسبة النساء إلى الرجال، وغيرها، فإن الوضع يحتاج تدخلًا سريعًا غير تقليدى. ولا أريد أن أزيد طين الأمية بلّة بالإشارة إلى أن هناك بين الحاصلين على الشهادة الإعدادية من يتعثرون فى القراءة والكتابة، وهو موروث ضخم سيستغرق سنوات للحل. لكن صديقًا عزيزًا هو «الباشمهندس محمود» المهندس الذى تقاعد، لكن ذهنه وفكره واطلاعه ورغبته المستمرة فى طرح الحلول بديلًا للبكاء على اللبن المسكوب فقط، يسأل: لماذا لا يتم تكليف المتقاعدين الراغبين والقادرين على محو أمية ستة أشخاص لكل منهم؟ ولماذا لا يتم تكليف الخريجين والخريجات الجدد بمهمة مشابهة كما كان معمولًا به قبل سنوات فيما كان يعرف بـ«الخدمة الاجتماعية»؟ هذه القنبلة الآخذة فى الانفجار من حولنا، والمتمثلة فى تفشى الأمية ستأتى على الجميع، وليس على الأميين فقط. قد يكون الأمىّ حرفيًا كسيبًا أو عاملة نظافة تكسب فى اليوم 300 أو 400 جنيه، وقد يكون الأمّى طفلًا يقود توك توك أو شابًا يفترش الرصيف ببضاعة رديئة ويهيأ له أنه أصبح رجل أعمال ومجدع، لكنه يبقى أميًا، يعجز عن قراءة اللافتات فى الشوارع، أو الاطلاع على نشرة الدواء، أو قراءة اسم المتصل به على هاتفه الـ«آى فون». لكن الأدهى من ذلك، أن الأمّى لا يولى اهتمامًا فى الأغلب لقيمة التعليم ومكانته. وأخشى أن العدد إلى زيادة كبيرة. أسكن فى مدينة الشروق حيث نسبة كبيرة من كانسى الشوارع أطفال فى سن المدرسة أو مصاحبون للأمهات والآباء الذين يكنسون حينًا ويتسولون حينًا. وليس خافيًا على أحد أن نسبة غالبة من سائقى التوك توك غير القانونى من ألفه إلى يائه أطفال لا علاقة لهم بالمدارس. بل إن عمال البناء والحدائق بينهم أطفال كثر. مقترح «الباشمهندس محمود» جدير بالدراسة السريعة والتفعيل الأسرع، لا سيما أنه لن يكلف الدولة الكثير. أما عن الأمية الثانية فهى قصة أخرى، فالمصابون بها متعلمون وحاصلون على شهادات عليا، لكنهم يحتاجون محو أمية انعدام قواعد الحوار وشح قيم الاختلاف.. وهذا حديث آخر.